قضيت يومين جميلين في الكويت وأنا أسمع شعراء كباراً يلقون قصائدهم، ومعهم شعراء وشاعرات من الشباب بدأت مواهبهم الشعرية تتفتَّق. كنت أشارك في مهرجان الشعر الرابع الذي أقامته مؤسسة عبدالعزيز البابطين للإبداع الشعري لتكريم ذكرى أحمد السقاف وغازي القصيبي. أخونا عبدالعزيز البابطين غلب الشعراء الكبار، لأنه لم يقرأ شعره وإنما عرض علينا فيديو غنت فيه الأستاذة المبدعة اللبنانية غادة شبير بعضاً من قصائده. وطلب مني أن أتحدث عن الدكتور غازي القصيبي لغياب المحاضر الأصلي، وقلت للحاضرين انني مثل لاعب الكرة البديل في المباراة، فهو ليس في مستوى اللاعب الأصلي، ومع ذلك كان الحديث عن العزيز الراحل سهلاً، فعقود من الصداقة تجمعنا. وطلب مني في نهاية البرنامج كلمة أخيرة وقلت للمشاركين انني أعرف معظم الزعماء العرب وقد أجريت مقابلات لهم، وأستطيع أن أقول واثقاً ان عِشرة الشعراء أفضل، لأن الشعراء إذا تكاذبوا فأعذب الشعر أكذبه، أما إذا تكاذب السياسيون فالبلد يخرب على رؤوس أهله. وأُعجبت بموهبتين ناشئتين هما الاسكندرانية جيهان بركات والكويتية ميسون السويدان، وكنت أستمع اليهما وأفكر هل أرى أمامي مستقبل شاعرتين من مستوى نازك الملائكة وفدوى طوقان. جيهان كانت خجولة وهي تقرأ من شعرها «اللازورد يبوح همساً» من دون أن يطفئ الخجل لظى الحب في أبيات القصيدة. أما ميسون فكانت تفيض حيوية، وإلقاؤها يعكس قدرة على اجتذاب الجمهور تتجاوز سني عمرها. وأتمنى لهما النجاح وأتوقعه. سعدت أن جمعني المؤتمر مع أستاذتين جامعيتين سعوديتين من أرقى مستوى ثقافي هما الدكتورة نوره الشملان من كلية الآداب في جامعة الملك سعود، والدكتورة سعاد المانع من كلية الآداب في مركز الدراسات الجامعية للبنات في الجامعة نفسها. وللمرة الأولى منذ سنوات شعرت بأنني أتحدث عما أحب، فدراستي أدبية، بدل السياسة التي هي عربياً خسارة كاملة. في مجلة «مقاربات في اللغة والأدب» التي تصدرها جامعتهما، وجدت مقالة للدكتورة الشملان موضوعها «النقاد القدامى وقضية الغموض»، وهي أهدتني مجموعة من كتبها، واخترت كتاباً منها عنوانه «لآلئ أو أصداف» فكان أول موضوع فيه «صور من النقد القديم»، وقلت لها إنني درست كتاب «تاريخ النقد الأدبي عند العرب» على يدي كاتبه البروفسور إحسان عباس، ووجدت ان الأستاذتين قرأتا كتب أستاذي في الماجستير وتحترمان إنتاجه الأدبي كما أفعل. في المجلة نفسها أسهمت الدكتورة المانع بتحقيق عن «الدرعيّات وظاهرة العدول عن الأنموذج في الشعر العربي». الدرعيات بمعنى الدروع، وراجعت مع الأستاذة ما أذكر عن المعرّي وديوانيه «لزوم ما لا يلزم» و «سقط الزند». وعندي في البيت ثلاث نسخ من «رسالة الغفران»، الأولى تعود الى أيام الجامعة، وحققتها الدكتورة عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ) فكانت أساس أطروحتها للدكتوراه أمام طه حسين، الذي أعيدُ هذه الأيام قراءة كتابه الجدلي «في الشعر الجاهلي» بنسخته الأصلية الصادرة سنة 1926، ولعلي أراجعه مع القراء في يوم قريب. واخترت أن أقرأ بسرعة كتاباً للدكتورة الشملان عنوانه «رسالة عن أبي تمام الشاعر الفنان» لأناقشها في موضوعها في اليوم التالي، وما أعرف وتعرف عن هذا الشاعر العظيم، الذي قال في أحمد بن المعتصم: اقدام عمرو في سماحة حاتم/ في حلم أحنف في ذكاء أياس وانتقده حاسد لأنه شبّه الأمير بهؤلاء الأعراب، فأطرق قليلاً وقال: لا تُنكروا ضربي له مِن دونه/ مثلاً شروداً في الندى والباس فالله قد ضرب الأقل لنوره/ مثلاً من المشكاة والنبراس هناك رجال أعمال شعراء، مثل أخينا عبدالعزيز البابطين، وهناك أمراء شعراء، وأطباء شعراء، والغالبية فقراء شعراء، ووجدت معنا في مهرجان الشعر من المهندسين الشعراء الأخ سعيد الصقلاوي من عُمان، وهو أهداني ديواناً له عنوانه «نشيد الماء» والعنوان مأخوذ من قصيدة له بعنوان «الى عبدالرحمن الداخل، محاصرون» يخاطبه فيها قائلاً: يا راحلاً من عمقنا لعمقنا/ هلاّ سألتَ اليوم عن أخبارنا/ وعن شموخ الشمس في جباهنا/ وعن نشيد الماء في ترابنا... قضيت مع الأخ سعيد ساعات القهوة والشاي بين الجلسات، وسرّني أن تحضر الحفل الختامي الأخت العزيزة سهام الفريح، وهي أستاذة جامعية كويتية ونشطة عربية في مجال حقوق الإنسان، وشريكة مؤتمرات وندوات حول العالم. وعدت الى لندن سعيداً بالمؤتمر الشعري وأهله، وبتأكيد ما أعرف عن أهل الكويت، فهم يختلفون في ما بينهم، إلا أنهم يد واحدة في الدفاع عن بلادهم المضياف. [email protected]