بات واضحاً أن نظام الديكتاتور الليبي معمر القذافي دخل مرحلة الاحتضار بعد أن قال مجلس الأمن الدولي كلمته العادلة، وبدأت دول التحالف في تدمير مضادات العقيد الجوية وآلياته العسكرية المتهالكة، وليس بمستغرب أبداً أن يتم في وقت قريب جداً إخراج «ملك ملوك أفريقيا» – كما يلقب نفسه - من حفرة تشبه تلك التي احتضنت قبل أعوام الديكتاتور العراقي صدام حسين، لكن القذافي الذي ارتكب في شعبه المسالم مجازر يندى لها جبين البشرية ليس الديكتاتور الأخير الذي يجب أن تتحرك الشرعية الدولية لإدانته وإسقاطه، فعلى الضفة المقابلة من الخليج العربي يعيش النظام الإيراني منذ ثلاثة عقود على جماجم معارضيه من أبناء الشعب المتطلع للحياة والخروج من قبضة الملالي الخانقة. وإن كان سعار القذافي تزايد ضد الأبرياء منذ اندلاع ثورة الشعب الليبي في شباط (فبراير) الماضي، فإن النظام الإيراني ولد مسعوراً وازداد إجراماً ووحشية بعد الانتخابات الماضية التي رفض نتائجها الشعب، وخرج للشوارع لإسماع صوته للعالم، فكان جهاز الباسيج الدموي بانتظاره وجرت دماء الأطفال والنساء والشيوخ في الشوارع من دون أن يتحرك مجلس الأمن ويتخذ قراراً مشابهاً لقراره ضد نظام القذافي، وهذا برأيي يعود إلى التعقيدات السياسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت، والثقل الذي كان يمثله نظام نجاد خارج الحدود الإيرانية، خصوصاً في المستنقع العراقي ولبنان واليمن، لكن الأوضاع تغيرت عقب الثورتين التونسية والمصرية اللتين أسقطتا حسابات السياسيين أمام إرادة الشعوب وأجبرت العالم الحر على تحمل مسؤوليته تجاه الأبرياء الذين هشموا «تابو» الخوف وخرجوا بصدور عارية بحثاً عن قيم الحرية والعدالة التي لطالما تغنت بها دول العالم الأول. القوى الدولية الكبرى اليوم أعادت حساباتها وفضلت مناصرة قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان بدلاً من التدثر بعباءة الحياد المصطنع تحت ضغط الحسابات السياسية المعقدة، وهو ما يعني أن الشعب الإيراني اليوم يمتلك فرصاً أكبر في التخلص من نظامه الدموي الذي لا يزال ينصب المشانق في الشوارع لمعارضيه. لسنوات طويلة ظل نظام ما يسمى ب «الثورة الاسلامية» في إيران يصور نفسه بتزييف كبير في الخارج كحامل لواء المذهب الشيعي، على رغم أنه نظام عرقي فارسي توسعي شديد العنصرية ضد الشعوب الأخرى ولا علاقة له بالمذاهب ولا الطوائف ولا الأديان التي يستخدمها كأوراق لعب سياسية بين فينة وأخرى، ومن المؤسف أن هذه الخدعة ذات الصبغة الدينية انطلت على بعض أبناء الطائفة الشيعية في أكثر من دولة عربية، وذلك لأنهم لم يتعرفوا على بشاعة الجرائم التي يرتكبها هذا النظام الدموي بحق معارضيه في طهران وقم، إضافة إلى معارضيه من الشيعة العرب في «الأحواز» التي هي في الأساس دولة عربية واقعة تحت الاحتلال الإيراني منذ أكثر من 80 عاماً ولابد أن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه من القبضة الفارسية، فهذه سنة التاريخ الذي يؤكد أن لا احتلال دائم طال الزمان أو قصر. إن كل المؤشرات اليوم تؤكد أن الشعب الإيراني أمام فرصة عظيمة للتخلص من هذا النظام الديكتاتوري بمساندة مجلس الأمن الدولي، وأن النموذج الليبي قابل للتطبيق في إيران إن تحرك الإيرانيون بشكل عاجل مرددين بأصوات عالية: «نجاد بعد القذافي»، فالعالم يسمع صراخ الأحرار اليوم بوضوح لم يسبق له مثيل. [email protected]