يواجه رئيس كاتالونيا كارليس بيغديمونت، قراراً حاسماً قد يحدد مسار الحركة الانفصالية في الإقليم الإسباني. وكانت الحكومة المركزية أمهلت بيغديمونت الى صباح اليوم لتوضيح هل أعلن استقلال كاتالونيا أم لا، خلال خطاب ألقاه أمام برلمان الإقليم الثلثاء الماضي. وقال بيغديمونت آنذاك إنه «قبِل» تفويضاً بالاستقلال، استناداً الى نتائج استفتاء نظمه الإقليم وتعتبره الحكومة المركزية والمحكمة العليا غير دستوري. واستدرك أنه يريد من البرلمان تأجيل تنفيذ مفاعيل الاستقلال ل «أسابيع»، لمنح فرصة أخيرة لإجراء مفاوضات مع مدريد. وإذا ردّ بيغديمونت إيجاباً على حكومة ماريانو راخوي اليوم، فستمهله الحكومة حتى الخميس للتراجع عن موقفه، وإلا قد تجمّد الحكم الذاتي الواسع لكاتالونيا. ولكن إذا ردّ بيغديمونت سلباً، فسيواجه تمرداً من متشددين داخل معسكر الانفصالي، قد يطيح حكومته ويفرض تنظيم انتخابات في الإقليم. وأعلن حزب يساري متطرف أنه سيسحب دعمه لحكومة بيغديمونت، إذا لم يصدر بياناً حازماً في شأن إعلان الاستقلال ولم يفِ وعده أمام برلمان كاتالونيا. معلوم أن النواب العشرة للحزب ضروريون لبيغديمونت لضمان الأكثرية في البرلمان. كما حذر أوريول جونكيراس، رئيس حزب اليسار الجمهوري الكاتالوني المسؤول الثاني في حكومة الإقليم، من أن عرض الحوار الذي قُدِم الى مدريد «يجب أن يشير الى بناء الجمهورية والتزامنا الاستقلال». واعتبر أن أي حوار مع الحكومة المركزية «متعذر»، وزاد: «يجب أن يكون واضحاً أن أفضل طريقة للتوصل الى الجمهورية والاستقلال هي التحدث مع الجميع، أقلّه مع المجتمع الدولي. لكننا ملتزمون في شكل مطلق لا لبس فيه، تنفيذ نتيجة» الاستفتاء. وتجنّب بيغديمونت التلميح الى ما سيكون عليه ردّه، اذ قال لدى وضعه زهوراً على نصب تذكاري للزعيم الكاتالوني الراحل لويس كومبانيس، الذي أعدمته قوات الديكتاتور فرنشيسكو فرانكو عام 1940: «في مكان مثل هذا وفي هذا اليوم، ترغب حكومتي في إعادة تأكيد التزامها السلام والديموقراطية قبل قرارات علينا اتخاذها». الى ذلك، بات وجود مجموعات من اليمين المتطرف في شوارع إسبانيا مألوفاً اكثر، منذ ارتفاع التوتر الناجم عن محاولات انفصال كاتالونيا، ما أثار مخاوف من إمكان تنامي قوتها بعد عقود على تهميشها و «تشرذمها». وفي وسط برشلونة، شاركت مجموعات تنتمي الى حركة «هوغار سوسيال» المعادية للأجانب وحزب «فوكس» اليميني المتشدد ومجموعة «إسبانبا 2000» القومية المتشددة، في مسيرة إلى جانب عشرات الآلاف من العائلات والمتقاعدين، في ذكرى العيد الوطني الإسباني. كما احتشد مئات من أنصار اليمين المتشدد، وألقوا خطابات حماسية واقفين قرب كشك يبيع تذكارات مثل «وصية» أدولف هتلر أو بضائع عليها شعار وحدات «إس إس»، الشرطة السرية التابعة للحزب النازي الألماني. واحتشدت مجموعات محدودة من أنصار اليمين المتطرف في برشلونة وفالنسيا وجزر البليار، وهي أجزاء من إسبانيا متمسكة بشدة بهوياتها الإقليمية، ما سبّب ملاسنات. ورأى المحلل السياسي بابلو سيمون أنه «كلما طال أمدّ حالة الاستقطاب (في إسبانيا) وبات حلّ النزاع أكثر صعوبة، كلما ازداد احتمال تنظيم هذه المجموعات لأنفسها وكسب نفوذ سياسي أو النزول إلى الشارع». وأضاف: «لم يكن هناك في الماضي تظاهرات بهذا الحجم ترفع أعلاماً إسبانية، وهذا ما تستغلّه هذه المجموعات لتزداد جرأتها وتتوسع. باتت أكثر حضوراً». لكن المؤرخ خافييه كاسالس، وهو متخصص في شؤون اليمين المتطرف، أصرّ على عدم وجود أي حزب سياسي يمتلك شعاراً قوياً يمكّنه من الاستفادة من الأزمة الكاتالونية. واستدرك: «الوضع في كاتالونيا يتطوّر في شكل سريع مع سيناريوات متغيّرة يصعب توقّعها». ولم يدخل البرلمان الإسباني أي مرشح من اليمين المتطرف منذ العام 1982. لكن المصوّر الصحافي جوردي بوراس الذي تابع الملف منذ فترة طويلة، لفت الى أن «حركة استقلال كاتالونيا تشكّل حافزاً لليمين المتطرف في اسبانيا، اذ يكمن هاجسهم الرئيس في ضمان وحدة البلاد». وأقرّ الباحث الاجتماعي ناركيزو ميكافيلا بأن استطلاعات رأي تُظهر «تنامي أحزاب مثل فوكس»، مستدركاً أنها ما زالت بعيدة من الدعم المطلوب. ونبّه الى أن قوميّي كاتالونيا نشروا «فكرة معاداة أقرانهم الإسبان»، وروّجوا لفكرة «إسبانيا تنهبنا». وتابع: «في نهاية المطاف، المتطرفون يحتاجون إلى بعضهم بعضاً، ويعيشون على هذه الراديكالية والمواجهة».