أثارت التعديلات الأخيرة التي أقرها مجلس التربية والتعليم وألغى بموجبها مبدأ «الرسوب» في شهادة الثانوية العامة، جدلاً مجتمعياً واسعاً ما بين مؤيد للقرار ومناهض له، فمنهم من يرى فيه خطوة في الاتجاه الصحيح كما صرّح بذلك الخبير التربوي ذوقان عبيدات، ومنهم من عدّه تقهقر ومحاولة لتدمير ممنهج لمنظومة التعليم كما اعتبرتها حملة «ذبحتونا» الطلابية. هذه التعليمات التي ألغت مبدأ «الرسوب»، تأتي ضمن الخطوط العريضة لتطوير امتحان التوجيهي، ومنها مبدأ اعتماد مجموع العلامات الكلي للمواد بدلاً من ناجح أو راسب. وزير التربية والتعليم عمر الرزاز دافع عن القرار الذي اعتبره نابعاً من الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وهي استراتيجية عابرة للحكومات، في إشارة منه إلى عدم تفرده كوزير أو وزارة في اتخاذ مثل هكذا قرار. وبحسب تصريحات صحافية للوزير الرزاز فإنه سيصار بموجب هذا القرار إلى احتساب مجموع طلبة التوجيهي كاملاً، وسيكون مجموع العلامات 1400، فيما يتم تحديد تخصص لكلّ فئة من المتقدمين للامتحان؛ مثلا: «من يحصل على 1300 فأكثر يحق لهم التقدم لتخصص الطب، من يحصل على 1100 فأكثر يحق له التقدم لتخصص الهندسة، من يحصل على 800 يحق لهم التقدم للتخصصات الانسانية ثم التخصصات المهنية وهكذا». الرزاز الذي قدم إلى الوزارة من خلفية اقتصادية، إذ شغل منصب مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي لسنوات عدة، أكد أن الجامعات ستعيد النظر بأسس القبول، حيث سيتم تحديد مجموع العلامات لكل تخصص، ويتم إعطاء كل مادة وزناً خاصاً بالعلامة في ذلك التخصص». ولفت الرزاز إلى أنه ومع تطبيق هذا النظام الجديد فإنه لن تكون هنالك حاجة للجنة تسمى بلجنة الرحمة، فلا يوجد راسبون ويمكن للجميع إكمال دراستهم. واكتفى الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم وليد الجلاد في حديثه ل «الحياة» بالقول إن هذا القرار هو قرار لمجلس التربية والتعليم، وهو قرار لم يأت إلا بعد دراسات معمّقة من لجنة مختصة بهذا الصدد. وأيّد الخبير التربوي ذوقان عبيدات وزارة التربية في هذا القرار. وقال ل «الحياة» إنه طالب بهذا الأمر عام 2014، لأنه يرى في هذا القرار تطويراً حقيقياً للمنظومة التربوية، «وذلك لأن فيه عدالة حقوقية وأخلاقاً» كما وصفها. مشيراً أنه ليس من حق وزارة التربية أن تصدر التصنيفات للطالب بأنه (ناجح أم راسب) وإنما من حقها فقط أن تعطيه علاماته فقط. ويؤكد عبيدات بهذا الصدد أن كلمة «راسب» صفة اجتماعية غير مناسبة، أدت في حالات إلى الانتحار وفي حالات أخرى الى افشال مشاريع زواج. سنوياً، يقدر عبيدات عدد الطلبة ممن لم يحالفهم الحظ في النجاح بحوالى 90 ألف طالب وطالبة. وعاد عبيدات ليؤكد أن الغاء الرسوب خطوة بالاتجاه الصحيح، غير أنه أبدى اعتراضاً على طريقة احتساب العلامات للطلبة وهي الصيغة التراكمية من (1400)، مشيراً إلى ضرورة أن تعطي وزارة التربية العلامات للطلبة وتترك أمر قبول هؤلاء للجامعات وضمن أسس محددة وواضحة، مبيناً أنه ليس من العدل أن يتم احتساب العلامات مع بعضها بعضاً. في المقابل، لم يلق القرار ترحيباً لدى الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة «ذبحتونا»، إذ اعتبرت هذه التعليمات «محاولة لتدمير ممنهج لمنظومة التعليم، تبدأ بالتوجيهي مروراً بالمناهج وانتهاءً بإعادة تأهيل المعلمين وليست مجرد وجهة نظر خاطئة لوزير أو وزارة» وفق ما قال منسق الحملة فاخر دعاس. وطالبت «ذبحتونا» كافة المختصين من أكاديميين وتربويين ووزراء سابقين ولجان التربية في كل من مجلسي النواب والأعيان بالتدخل الفوري لوقف تعليمات التوجيهي لعام 2017 التي تم نشرها في الجريدة الرسمية مطلع الشهر الجاري، ونصت على إلغاء الرسوب في التوجيهي. وأشارت الحملة إلى أن الوزارة حذفت المادة 14 من التعليمات السابقة والتي تقول: «توصف النتيجة العامة للطالب بالعبارات التالية: «ناجح» إذا اجتاز جميع المباحث المطلوبة بنجاح، او «لم ينه متطلبات النجاح»، إذا لم يجتز جميع المباحث المطلوبة في امتحان الثانوية العامة. واستعاضت عنها بالمادة 11 و12 من تعليمات عام 2017 والتي تنص على أن توصف نتيجة الطالب بالآتي «محروم بسبب الرسوب المدرسي»، «محروم بسبب الغياب المدرسي»، «محروم بسبب مخالفة التعليمات والغش في الامتحان»، و «غائب» في حال الغياب عن مبحث أو كافة المباحث. وأكدت «ذبحتونا» على أن شهادة الثانوية العامة الأردنية التي تفخر بسمعتها على مستوى الوطن العربي وتعد من المنظومات النادرة في الأردن التي لم ينخرها الفساد، وتحظى بثقة المواطن الأردني لن يصبح لها أي قيمة أكاديمية في ظل قيام وزارة التربية بإلغاء الرسوب والنجاح. ولفتت الحملة إلى خطورة أن يحمل شهادة الثانوية العامة طالب راسب في كافة المواد. فوفقاً للتعليمات الجديدة، فإن أي طالب يتقدم لامتحان الثانوية العامة ويحضر كافة الامتحانات، يستطيع الحصول على شهادة الثانوية العامة، بغض النظر عن العلامات التي حصل عليها، ما يعني حصول الطالب الراسب في كافة المواد على شهادة الثانوية العامة «في مشهد سوريالي». وأشارت إلى إن إقرار هذه التعليمات وتطبيقها، سيؤدي إلى تعديل في عشرات القوانين والأنظمة والتعليمات التي تنص في التعيينات لبعض الوظائف على شرط "النجاح في التوجيهي" ما يستدعي تعديل هذه التشريعات. كما أن التعليمات الجديدة تساوي بين الراسب والنجاح كون الاثنين سيكونان «حاصل على شهادة الثانوية العامة». وتابعت الحملة «أن إقرار تعليمات إلغاء الرسوب، ستكون له عواقبه الوخيمة على التعليم العالي، كون التوجيهي هو المدخل الرئيسي للجامعات. فوفقاً للتعليمات الجديدة، فإن الطالب الراسب في مواد أساسية كاللغة الإنكليزية واللغة العربية والرياضيات والفيزياء– في الفرع العلمي-، يستطيع التقدم للدراسة في إحدى الجامعات الأردنية الرسمية أو الخاصة. وأصبح لزاماً على مجلس التعليم العالي وضع أسس جديدة للقبول الجامعي تعمل على «ترقيع» الكارثة التي فعلتها وزارة التعليم العالي بإلغاء الرسوب، على رغم أن أي ترقيعات في هذا الجانب لن تؤدي إلا إلى تخفيف طفيف في الآثار الكارثية لإلغاء الرسوب على الجامعات والعملية التعليمية. وترى الحملة وفق دعاس أن كل هذا يصب في اتجاه واحد يتمثل في خصخصة الجامعات ورفع الرسوم الجامعية بنسب فلكية، قد تصل في نهاية المطاف إلى 300 في المئة في بعض التخصصات وليس من يعترض. وفي النهاية، أكد دعاس أن إلغاء الرسوب سيضاعف إشكالية مخرجات التعليم الجامعي. وسنجد أنفسنا أمام المزيد والمزيد من التراجع في مستوى جامعاتنا بدلاً من الارتقاء بها. وهنا تساءل: كيف يمكن وزير التعليم العالي أن يسمح بقبول طالب في الجامعات الأردنية وهو راسب في اللغة الإنكليزية أو اللغة العربية؟!