متحف جديد يولد في باريس ويضاف إلى عديد المتاحف التي تتميّز بها عاصمة النور في العالم. يتّخذ موقعاً له في صرح تاريخي مطلّ على نهر السين ويقع مقابل متحف «اللوفر». إنه المبنى المعروف باسم «قصر كي كونتي»، والمخصص منذ قرنين لمؤسسة صكّ النقود الفرنسية المعروفة ب Monnaie de Paris. وكانت هذه المؤسسة التي أنشئت في القرن التاسع وهي أقدم مؤسسة رسمية فرنسية معروفة، قد استقرت منذ عام 1775 في هذا القصر الذي يعدّ تحفة فنية بعمارته الحجرية الكلاسيكية. قبل اليوم، لم يكن بمقدور الفرنسيين وملايين السياح الذين يعبرون ضفة النهر ويشاهدون واجهة القصر الرائعة الدخول إلى قاعاته الفخمة، لأن ذلك كان محصوراً في المسؤولين عن المبنى والموظفين العاملين فيه ويبلغ عددهم مئة وخمسين شخصاً. غير ان الأحوال تبدلت بعد أن خضع القصر في السنوات الأخيرة لعملية ترميم واسعة حتى يتلاءم مع مشروع تحويله الى متحف ومركز للمعارض الموقتة والمخصصة للفنون الحديثة والمعاصرة. كان العمل على تحقيق هذا المشروع الفريد من نوعه قد انطلق عام 2009، وتتجسد فرادته في تحويل مؤسسة، مخصصة بالأصل للنقود، الى مكان تجتمع فيه وتحت سقف واحد، المحترفات والتحف المتعلقة بصك النقود والميداليات المعدنية الفخمة، من جهة، ومن جهة أخرى المعارض الفنية الحديثة التي تعكس انفتاح المتحف على تحديات القرن الحادي والعشرين وتحولات العصر. «إن من أهداف تحويل مؤسسة النقد الى متحف حي هو تجديدها وجعلها مشرعة الأبواب على فضاءات المدينة ومفتوحة أمام الجمهور الواسع»، هذا ما قاله لنا المهندس المعماري فيليب بروست الذي أشرف على أعمال ترميم المبنى وتحويل أجنحته الى أماكن مخصصة للعرض. وتحدث خلال الافتتاح عن تعلقه بهذا المبنى المهيب والأنيق في آن واحد. يتوجه المتحف إلى جمهور متنوع بذائقته وانتماءاته الثقافية. هناك أولاً، هواة التراث المعماري والمهن الحرفية حيث تعرض مئات القطع النقدية والميداليات المنقوشة واللوحات والمحفورات. وتبيّن هذه التحف كيف تم التعامل تاريخياً مع المعادن كالفضة والذهب والنحاس والبرونز، وقد خصصت لها قاعات تجاوزت مساحتها الألف وخمسمئة متر مربع. ولتكتمل الصورة وحتى لا يبقى المتحف محصوراً في التراث والماضي، تمّ تخصيص قسم من قاعاته لمعارض الفن المعاصر كما أشرنا، ومنها المعرض الذي افتتح أخيراً تحت عنوان «النساء في المنزل» وهو معرض جماعي يضم اعمال أربعين فنانة من جنسيات مختلفة، وهو يعكس رؤيتهن لموضوع المرأة ككائن حي داخل المنزل وخارجه. بعض الفنانات المشاركات يتمتعن بشهرة كبيرة ومنهن الفنانة الفرنسية الأميركية الراحلة نيكي دو سان فال. لا تنحصر أهداف المتحف بالفنون والمهن الحرفية بل هناك أيضاً الأهداف التجارية، إذ تم تخصيص جناح بأكمله لبيع المنتجات التي قام بتصميمها مصممون عالميون ككريستيان لاكروا وكارل لاجيرفيلد وجان بول غوتييه الذي أعد أخيراً زخارف مجموعة جديدة من العملات المعدنية تختصر نقوشها ملامح من تاريخ فرنسا. ولدور الأزياء الفخمة كشانيل وكارتييه وباكارا وهيرميس حضورها أيضاً في المتحف حيث تباع الهدايا المتنوعة كالحلي والإكسسوارات والمنحوتات المعدنية التي تمثّل بعض الشخصيات الفرنسية التاريخية... وفي إطار الحديث عن الأهداف التجارية للمتحف، تقتضي الإشارة إلى مطعمه الفخم الذي يشرف عليه معلم الطبخ غي سافوا الحائز ثلاثة نجوم في دليل «ميشلان» الشهير المعروف بتقييمه أفضل المطاعم في العالم. متحف مؤسسة النقود في باريس صرح جديد يضاف إلى الصروح التي تستقطب ملايين الزوار سنوياً، وتساهم في تكريس صورة العاصمة الفرنسية كمدينة للجمال والترف والفنون والموضة. ويعي المسؤولون الفرنسيون أن باريس هي واجهتهم إلى العالم، وأنه ينبغي دائماً تدشين مشاريع جديدة تحافظ على تألّق المدينة وحيويتها وطاقاتها التي لا تنضب.