الطريق بين بغداد والسليمانية (270 كلم شمال بغداد) مزدحم في شكل غير مسبوق، فأعياد «النوروز» تستقطب مئات آلاف العراقيين كل عام الى اقليم كردستان الذي يتخذ اجراءات استثنائية خلال الاعياد لضمان الأمن، ولتسهيل دخول الافواج الغفيرة من الزائرين العرب اليه. وأعياد «النوروز» او «اليوم الجديد»، التي يحيي خلالها اكراد العراق وعدد من شعوب المنطقة اسطورة «كاوة الحداد» ويشعلون النار التي تحمل طابعاً قدسياً، يحل على اقليم كردستان هذا العام وسط جدال سياسي وشعبي متواصل، فيما يستمر المعتصمون في ساحة السراي وسط مدينة السليمانية في احتجاجاتهم التي خلصت خلال الايام الماضية الى اطلاق حملة تواقيع لإقالة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني. ويؤكد المعتصمون انهم لن يفضوا اعتصامهم بالتزامن مع الاعياد وسيحتفلون بها في ساحة السراي اسوة باحيائهم ذكرى قصف مدينة حلبجة قبل ايام. لكن التوتر لم يمنع العائلات العربية من القدوم الى الاقليم، وان يجازف بعضها بعدم الحصول على غرف في الفنادق المحجوزة منذ اسابيع ما قد يضطرها الى النوم في سياراتها. لكن معاناة الزائرين قد تتضاعف مع اعلان دائرة الأنواء الجوية في السليمانية ان الايام المقبلة ستشهد «تساقط كميات من الامطار الصحوبة بالبرق والرياح الخفيفة». والسليمانية التي تعد موقعاً اساسياً للحراك السياسي في الاقليم كانت ازدانت منذ ايام بالالوان والنشرات الضوئية استعداداً للمناسبة، فيما اغلق شارع سالم الرئيسي في المدينة لاقامة سلسلة مهرجانات حية تشارك فرق موسيقية والاهالي في احيائها. ويرتدي الاكراد وايضاً بعض العرب المشاركين في الاحتفالات الملابس الكردية التقليدية التي تزدهي بالوان ربيعية براقة. وانتهز رئيس حكومة الاقليم برهم صالح المناسبة للدعوة الى ان تكون الاختلافات الكردية «عامل تقوية للتجربة ومعالجة مشاكلها»، فيما اعلنت حكومته عطلة رسمية تستمر من 19 الى 24 من الشهر الجاري. وكان صالح وجه قبل ايام رسالة الى سكان الاقليم يعلن فيها اعتذاره وحكومته عن اي تقصير او خلل في الأداء، في بادرة قال قريبون منه انها تندرج في نطاق «ديبلوماسية شعبية» ينتهجها رئيس الحكومة لتخفيف حدة التوتر. ووقعت تسعة احزاب كردية بينها الحزبان الرئيسيان اول من امس وثيقة «تحرم اللجوء إلى العنف أو القوى الخارجية لحل المشكلات السياسية والحفاظ على وحدة الإقليم». وإضافة الى «الاتحاد الوطني الكردستاني» و «الحزب الديموقراطي الكردستاني» وقع «الاتحاد الإسلامي الكردستاني» و «حركة التغيير» و «الجماعة الاسلامية» و «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» و «حزب كادحي كردستان» و «الحزب الشيوعي» و «الحركة الإسلامية» على الوثيقة التي دعت اليها منظمات مجتمع مدني في السليمانية. وتبدو الوثيقة التي وقعت تزامناً مع «النوروز» بداية حلحلة للخلافات المتأزمة بين اطراف المعارضة والموالاة، على رغم تأكيد المعارضة، تتقدمها حركة «التغيير»، ان مطالبها بإجراء اصلاح سياسي واقتصادي في الاقليم ما زالت قائمة. والاشارات التي تضمنتها الوثيقة في ما يتعلق بالحفاظ على وحدة الاقليم تبررها سلسلة اتهامات كانت اطلقتها احزاب الحكومة ضد المعارضة بأنها تسعى الى تحويل السليمانية اقليماً منفصلاً.