أقام الجيش التركي نقاط مراقبة في محافظة إدلب في شمال غربي سورية في إطار اتفاق «خفض التوتر» الذي تم التوصل إليه مع روسيا وإيران. وعلى رغم أن الاتفاق يهدف إلى القضاء على أكثر التنظيمات تشدداً في إدلب وعلى رأسها «جبهة النصرة» المرتبطة ب «القاعدة»، إلا أن خريطة انتشار القوات التركية تثير قلقاً لدى أكراد سورية في شمال البلاد. وأكد الجيش التركي أمس إقامة نقاط المراقبة، موضحاً أن قواته في سورية تنفذ عمليات وفقاً لقواعد الاشتباك المتفق عليها مع روسيا وإيران. وذكر عناصر معارضة وشاهد عيان أن تركيا أرسلت قافلة تضم نحو 30 مركبة عسكرية إلى شمال غربي سورية الذي تسيطر عليه المعارضة عبر معبر باب الهوى في إدلب. وأعلنت هيئة الأركان التركية في بيان أمس «بدأنا أعمال إقامة مراكز مراقبة». وأظهر تسجيل فيديو وزعه الجيش التركي رتلاً، قال إنه القافلة المعنية وإنها بدأت تتحرك مساء الخميس. واوردت وسائل الإعلام التركية أن اتفاق آستانة ينص على أن تقيم تركيا 14 مركز مراقبة في إدلب سينشر فيها ما مجمله 500 جندي. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب أمام «حزب العدالة والتنمية» الحاكم أمس «قلنا إننا قد ندخل على حين غفلة ذات ليلة. والليلة بدأت قواتنا المسلحة العملية في إدلب مع الجيش السوري الحر». وأضاف «نحن الذين نشترك في حدود طولها 911 كيلومتراً مع سورية... نحن المعرضون لتهديد دائم». وعلّقت «وحدات حماية الشعب الكردية» على الانتشار التركي قائلة في تغريدة على حسابها على «توتير» أمس «تركيا لا تهمها إدلب اطلاقاً، بل تريد محاصرة عفرين ما يمكن أن يشعل فتيل حرب جديدة في المنطقة». وقال مصطفى سيجري المسؤول في «الجيش السوري الحر» إن انتشار القوات التركية يجري «وفق مخرجات آستانة لحماية المنطقة من قصف النظام والروس ولقطع الطريق أمام الانفصاليين لاحتلال أي أرض»، وذلك في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تسيطر على مدينة عفرين شمال سورية. وذكر تلفزيون (سي.إن.إن ترك) على موقعه أن اشتباكاً دار في ريف إدلب قرب مركز أوجولبينار الحدودي في منطقة ريحانلي التركية. وأضاف أنه أمكن سماع أصوات نيران رشاشات الدوشكا عبر الحدود في ريحانلي. ولم يتضح من هي أطراف الاشتباك. وذكر شهود أن القافلة كانت في طريقها نحو الشيخ بركات، وهي منطقة مرتفعة تطل على أراض تسيطر عليها المعارضة، وعلى مدينة عفرين. وأعلن أردوغان نشر القوات الأسبوع الماضي قائلاً إن تركيا تشن «عملية مهمة» مع جماعات معارضة تدعمها في إطار اتفاق «خفض التوتر» الذي أبرم في آستانة. وأكد مصطفى سيجري المسؤول في «الجيش الحر» أهمية احتواء ما سماه «خطر» وحدات «حماية الشعب الكردية» لمنعها من محاولة شن أي هجوم جديد يوسع نطاق سيطرتها إلى البحر المتوسط، وهو ما يستلزم أن تسيطر على مناطق جبلية تخضع لسيطرة المعارضة والجيش السوري. وقال سيجري «اليوم أصبح يمكن القول إن حلم الانفصاليين بالوصول إلى المنفذ البحري ودخول إدلب ومن ثم جسر الشغور وجبال الساحل أصبح حلم إبليس بالجنة». وتعتبر تركيا «وحدات حماية الشعب» امتداداً ل «حزب العمال الكردستاني» الذي يشن حملة تمرد مسلح ضد أنقرة منذ ثلاثة عقود. وشنّت تركيا العام الماضي عملية (درع الفرات) في شمال سورية إلى جانب جماعات من المعارضة السورية وذلك لانتزاع أراض حدودية من «داعش». كما كان الغرض من العملية أيضاً منع «وحدات حماية الشعب الكردية» من استغلال مكاسبها أمام «داعش» في ربط عفرين بمنطقة أكبر بكثير تسيطر عليها في شمال شرقي سورية. وأجرت تركيا تغييرات في الحكم المحلي في المنطقة التي سيطرت عليها في عملية «درع الفرات» في مؤشر إلى أنها ربما تضع الأساس لعلاقات طويلة الأمد مع هذا الجزء من سورية. لكن التحركات التركية قد تؤدي إلى المزيد من التوترات في العلاقات مع واشنطن، التي تعتبر الحليف الأساسي ل «وحدات حماية الشعب الكردية» و «قوات سورية الديموقراطية». فخلال العامين الماضيين أنفقت اميركا ملايين الدولارات لدعم وتسليح وتدريب «قوات سورية الديموقراطية» التي تمكنت من طرد «داعش» من غالبية الشمال السوري وبصدد طرده من الرقة ودير الزور. لا تزال إدلب، غير خاضعة لسيطرة القوات السورية إضافة إلى قسم من محافظات حماة (وسط) وحلب (شمال) واللاذقية (غرب). مناطق الأكراد تراقب بتوجس الانتشار التركي تراقب مدن الشمال السوري الخاضعة لسيطرة الأكراد وإدارتهم، بقلق وتوجس الانتشار التركي في محافظة إدلب الشمالية. فعلى رغم أن تركيا تشدد على أن انتشارها يأتي في إطار تطبيق اتفاق «خفض التوتر» الذي تم التوصل إليه مع روسيا وإيران، إلا أن إقامة نقاط مراقبة ونشر قوات على مرتفعات جبلية في إدلب محاذية لحلب تطل على مدن يديرها الأكراد مثل عفرين، يشكلان رسالة تحذير ضمنية إلى أكراد سورية. ولم يخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نياته من نشر قوات في إدلب، عندما قال الأسبوع الماضي إنه لن يسمح بكيان يهدد الدولة التركية من شمال سورية، وذلك في إشارة إلى مناطق سيطرة الأكراد. كما أن مسؤولاً كبيراً في «الجيش السوري الحر» وهو مصطفى سيجري قال إن نشر القوات التركية يهدف أيضاً إلى كبح «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تسيطر على منطقة عفرين المجاورة. وأوضح أن انتشار القوات التركية يتم «وفق مخرجات آستانة لحماية المنطقة من قصف النظام والروس ولقطع الطريق أمام الانفصاليين لاحتلال أي أرض». ويتخوف الأكراد من أن الانتشار التركي يشكل تهديداً أمنياً واقتصادياً لمناطقهم التي هي في أمس الحاجة إلى الدعم الاقتصادي ومواصلة الإعمار. فبعد مرور ما يزيد على عامين منذ طرد «داعش» من بلدة كوباني (عين العرب) الحدودية السورية، لا تزال علامات الدمار الواسع تنتشر في أنحائها. فكثير من البنايات تحولت إلى أنقاض بينما بدأت عمليات إعادة إعمار بعضها الآخر. وكانت بلدة كوباني (عين العرب) محطة أساسية في المقاومة ضد «داعش» الذي تم طرده منها في كانون الثاني (يناير) 2015. لكن توسيع دور الأكراد في محاربة التنظيم المتشدد عمق مخاوف تركيا التي تحارب تمرداً كردياً في جنوب شرق البلاد. وأغلقت أنقرة الحدود في 2015، الأمر الذي زاد الصعوبات التي يعاني منها سكان كوباني الذين يشعرون بأن الولاياتالمتحدة والحلفاء العسكريين الأجانب، الذين ساعدوهم في حربهم ضد «داعش»، تخلوا عنهم. ومن بين هؤلاء السكان عامل إصلاح إطارات مركبات كردي يدعى رشيد علي. وقال علي لتلفزيون رويترز: «قبل كان في الحدود كان تيجي السيارات من تركيا، كان نصلح لهن دواليبهن (إطارات السيارات)، نعطيهم دواليب (إطارات) جداد، نشتغل، ناخذ ونعطي، كان بييجي بضاعة، كل شيء، ناخذ ونعطي، نشتغل. بس هلق (الآن) بعد ما سكروا (أغلقوا) الحدود ما عاد فيه شغل». لكن كردياً آخر من كوباني قال إنه إذا لم يساعد العالم في إعادة إعمار كوباني فإن سكانها سيعتمدون على أنفسهم. وأضاف الرجل الذي يدعى حسين علوشي: «الدمار والخراب بيرجع يتصلح، يتعمر. أهم شيء بسورية يرجع ما يظل فيها مشاكل، ما يظل إرهابية، نظل مبسوطين ببيتنا، الواحد شو بده يسوي، المهم بدك ترجع تستقر مرة تانية، تعمر كل واحد. إذا مثلاً حزب عاوننا، إذا مساعدات دولية ساعدونا، ساعدونا، إذا ما ساعدونا إحنا بدنا نعمر لحالنا».