يوم العشرين من شباط (فبراير) الماضي، التحق المغرب بركب الثورات الشعبية المشتعلة في البلدان العربية من أجل تغيير جذري يضعها على سكة الديموقراطية الفعلية. كان طبيعياً ألاّ يظل المغرب ساكناً، مستكيناً إلى أسطورة «استثناء» في المنطقة مثل حق أريد به باطل. وتأكد بعد خروج المغاربة في تظاهرات احتجاجية سلمية تستمر حتى الآن أنهم لا يختلفون حول الملكية، إنما يريدونها متطورة على غرار الديموقراطيات الحديثة. بيد أن الفترة الحرجة التي سبقت خروج حركة «فايسبوك» المغربية وانتشار صداها ومؤيديها كانت مربكة ومقلقة. مثال ذلك جمعية نسائية معروفة وجدت نفسها ضمن الهيئات الحقوقية والمدنية العشرين الموقعة على بيان يدعم مطالب شباب 20 شباط (فبراير)، وأبرز هذه المطالب وأكثرها حساسية تغيير الدستور بما يحدّ من سلطة الملك ويرسي ملكية برلمانية. خرجت الجمعية من «الورطة» بإعلان مفاجأتها بإقحام اسمها في القائمة وعدم دعمها الحركة ومقاطعتها التظاهرات المرتقبة. لم يكن موقف الجمعية شاذاً في المشهد العام، طالما أن موقف الأحزاب الوطنية نفسه اجتمع على المقاطعة أيضاً. ظلّت مع ذلك جمعيات نسائية أخرى في قائمة العشرين المساندة للتظاهرات. وفي الموعد المحدد، نزلت المغربيات إلى الشارع كما تعودن أن يفعلن في تظاهرات كثيرة، سياسية واجتماعية. ومنذ إطلاق الشباب حركة 20 شباط على موقع «فايسبوك»، كان صوت الشابات حاضراً، وبرزن خلال أيام التحضير وأثناء التظاهرات، سواء الأولى أم ما بعدها، يتحدثن إلى الإعلام الوطني والدولي، ويؤكدن موقعهن في حركة التغيير المجتمعي في المغرب، حتى بانخراط جماعة إسلامية محظورة متطرفة. فقد تم الاتفاق بين شباب حركة 20 شباط والجماعة الإسلامية على عدم مضايقة مشاركة المرأة. في ما تلا من أيام بعد 20 شباط، ومواصلة حركة التعبئة في الشارع والمؤسسات التعليمية وغيرها لأجل الاحتجاج السلمي، كانت شابات الحركة حاضرات، وعدد منهن تعرض للاعتقال الموقت، لكون السلطات تشددت في ما بعد مع الداعين إلى التظاهر، إثر حدوث أعمال تخريب واسعة في عدد من المدن نهاية يوم تظاهرات 20 شباط، كمحاولة غير مباشرة لتطويق عدوى الاحتجاج. لا يمكن تصور حراك مجتمعي في المغرب من دون حضور المرأة، لأن وجودها في الحياة العامة وفي مسلسل تحديث المجتمع أمر واقع تكرس خصوصاً بتقوية الحركة النسائية والحقوقية بالبلد وانفتاح ديموقراطي أعلى إيقاعاً من العقود الماضية. وإذا كانت محطة تاريخية بارزة لاستقراء هذا الحضور في المجتمع المغربي، فإن العقد الأخير من الألفية الماضية كاف لإثبات القفزة النوعية التي عرفتها وضعية المرأة المغربية على الصعد كافة. عدّل المغرب قانون الأسرة وأصدر قانوناً جديداً (مدونة الأسرة) في 2003، اعتُبر ثورة على المستوى العربي والإسلامي إزاء تمكين المرأة من حقوق أساسية كانت مهضومة في الماضي ويعاني جرّاءها المجتمع برمته، مثل المساواة بين الزوجين في مسألة الطلاق التي كان الرجل وحده يحسم فيها، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء، واقتسام الأموال المكتسبة خلال الحياة الزوجية بين المطلقين، واشتراط موافقة الزوجة الأولى في تعدد الزوجات، ورفع سن الزواج إلى 18 سنة. وانسجاماً مع روح قانون الأسرة الجديد المدافع عن حقوق أفراد الأسرة ككل، وعلى رأسها حقوق الطفل، تم إقرار نسب الطفل الناجم عن علاقة خارج الزواج إلى والديه، وتعديل قانون الجنسية، ما وضع حداً نهائياً لمعاناة العديد من المغاربة الذين ولدوا من أمهات مغربيات وآباء أجانب وحرموا من جنسيتهم المغربية. على أرض الواقع، مسيرة المرأة النضالية لا تقف عند هذه المكاسب مهما تميزت نوعيتها، فثمة حاجة إلى تفعيل أكبر لقانون مدونة الأسرة على أرض الواقع، يبدأ بتطبيق القانون وتطويره وتغيير العقليات الرافضة والملتفة على التطور. وفي مجال المشاركة السياسية، لا يزال أمام المغربية أن تنخرط بمقدار أكبر، على رغم إقرار «كوتا» رسمية لحضورها في الانتخابات والبرلمان.