إيزابيل أبو الهول مديرة مهرجان طيران الإمارات للآداب في دبي، لا يمكن أن تحضر المهرجان من دون أن تتوقف ملياً أمام تجربتها حين تراها تتحدث مع الضيوف بهدوء وصفاء وكأن لا شيء يقلقها. هذه السيدة البريطانية التي تتحدث العربية جيداً، ويدعوها أصدقاؤها بأم منصور والمتزوجة من إماراتي، بدأت نشاطها بافتتاح مكتبة مجردوي في دبي عام 1975، لتصبح هذه المكتبة الصغيرة بعد 35 عاماً سلسلة من 11 فرعاً تنتشر في ثلاث إمارات. الشغف بتوفير الثقافة لم يتوقف عند توفير الكتب، بل تعداه إلى توفير الكتّاب أنفسهم ومن كل أنحاء العالم في مهرجان للآداب. هذه السيدة التي تحب الكتب والآداب وراء ولادة هذا المهرجان، وهي مديرته اليوم والتي تبدأ للترتيب له منذ اليوم الأخير من المهرجان الذي قبله، ويتلقى الضيوف الدعوات قبلها بنصف عام. هذه السيدة بدأت المهرجان منذ ثلاثة أعوام ب36 كاتباً عالمياً يستعرضون كل أنواع الفنون السردية الكوميدية والخيالية العلمية والسحرية والشعرية أيضاً، وصل عددهم هذا العام إلى 130 كاتباً من كندا، الولاياتالمتحدة، أوروبا، والهند، الصومال، والبلاد العربية. استطاعت إيزابيل في بيئة تدعم المشاريع، أن تكسب تمويل جهات عدة، أولها طيران الإمارات الذي أخذ المهرجان اسمه، ومؤسسات دبي الثقافية، بل ستجد في قائمة الرعاة مستشفى ومقهى وفندقاً. في مهرجان طيران الإمارات للآداب الذي أحضره للمرة الثالثة، لا تستطيع أن تُحصي كم من دهشة تمر بك منذ أن تدخل البهو. أولها الطوابير التي ما أن تدخل البهو حتى تراها، كل من فيها يحمل كتاباً للمؤلف الجالس خلف الطاولة ليضع توقيعه عليها، بعضها يمتد ساعة ونصف الساعة، خصوصاً مع كتب أثارت في عامِ صدورها ضجةً كبيرة أو لأسماء شهيرة في العالم. الظاهرة الثانية هي نفاد التذاكر، نسيت أن أقول لكم إن دخول الفعاليات ليس مجانياً، فالقارئ يدفع ثمن تذكرة معتدلة الثمن ليحظى بسماع الكاتب الذي جاء من أجله، مع توفير ترجمتين عربية وإنكليزية، وأحياناً قطعة من الموسيقى. وللحق أقول إن الكلام الذي دفعت أنا ثمناً لأسمعه البارحة كان له طعم مختلف، فقد أرغمتُ عقلي على التفكير فيه، لأنه كلامٌ مدفوع الثمن وليس مجانياً. التذاكر نفدت منذ اليوم الأول، وبعضها منذ الصباح الباكر، فالأمسية التي جئت أقص تذكرتها في المساء قبل نصف ساعة من الموعد كانت تذاكرها جميعاً (مباعة). سأختصر كل هذه الظواهر المهمة في تفسير بسيط هو أن مجتمع مهرجان الآداب هو مجتمع من جنسيات متعددة يعكس تركيبة دبي، من أوروبا أو كندا أو الهند، أو الإمارات، تماماً مثل ضيوفه، وهؤلاء يشترون التذاكر قبل المهرجان بأيام عبر الإنترنت، ولا يدخلون البهو مثلي ما لم يضمنوا التذكرة مقدماً. الكاتب العربي في هذا المهرجان، مثل مجتمع قُرّاؤه فقير، وحزين ومعدم الشعبية ولا يقف أمام طاولة توقيع كتابه سوى أفراد حتى ولو كان من الفائزين بجائزة البوكر. هذه النكتة، أقصد الحقيقة الأخيرة، زودني بها عبده خال ضيف المهرجان والفائز بجائزة البوكر العام الماضي. [email protected]