الأرجح أن اليابان تستطيع تحمّل أن يزيحها الزلزال المريع الذي ضرب شمالها الشرقي قرب مدينة سينداي، بقرابة 2.4 مترين عن موقعها، وفق ما أعلن «مركز الرصد الجيولوجي الأميركي». وقد لا تُبدي قلقاً كبيراً من الانزياح الطفيف (بمقدار 10 سنتيمترات) الذي أحدثّه الزلزال عينه في محور الحقل المغناطيسي للكرة الأرضية، على رغم أهميته. في المقابل، الأرجح أن البلاد التي تنفرد بأنها قُصِفَت بقنابل ذرية، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، لا تستطيع أن تبعد شبح الفناء الذري عن الصورة المأسوية التي خلّفها هذا الزلزال والتسونامي الذي رافقه، في 11 آذار (مارس) 2011. وقد وصف رئيس الوزراء الياباني ناوتو كان هذا الحدث بأنه «كارثة وطنية غير مسبوقة». إنذار للعالم العربي لاح ظلّ الكارثة النووية في اليابان أخيراً، عندما عطّل التسونامي نُظُم التبريد في المفاعلات الثلاثة لمحطة فوكوشيما دايتشي التي تديرها شركة «طوكيو باور إلكتريك» («تيبكو») اليابانية. ثمة درس مهم للدول العربية في هذه الكارثة، إذ يزمع كثير منها الانتقال الى الاعتماد على الطاقة التي توّلدها مفاعلات نووية. ويجدر التنبّه، مع التذكير بالفالق الأناضولي الذي يمتد من تركيا الى حوران في سورية، ويسير في وادي البقاع اللبناني، ويمتد عبر غور الأردن وصولاً إلى العقبة، حيث «يغطس» في البحر، ليعاود الظهور في جنوب السودان (صار دولة مستقلة)، ليتصل بالوادي الكبير الذي يستضيف البحيرات التي ينبع منها نهر النيل. وتقع دول شمال أفريقيا على الحافة المتوسطية، التي شهدت غير تسونامي في تاريخها، خصوصاً ذلك الذي محا لشبونة ومدن اليونان القديمة وبعض المدن الفينيقية أيضاً. ثمة مصادفة مهمة أيضاً. فبعيد الزلزال الياباني، أعلن علماء أميركيون أنهم ربما توصلوا الى تحديد موقع مدينة «أطلانتس» الأسطورية. ويرون أنها تقبع راهناً عند أقدام الجبال الجنوبية لإسبانيا، قريباً من سواحل المغرب. ويرجحون أن تسونامي هائلاً تسبّب في اختفائها عن الوجود. وعندما حدث زلزال سومطرة في 2004، وصل بعض من ارتداداته الى شبه الجزيرة العربية، ما يذكر بالماضي الجيولوجي لهذه المنطقة. ربما لا تبدو الجغرافيا والجيولوجيا مقنعة بالانكفاء عن المشاريع النووية في الطاقة. ماذا عن العِلم؟ إذا كان بلد متقدّم علمياً مثل اليابان لم يستطع أن يتجنّب كارثة نووية رافقت الزلزال والتسونامي، وهو ما ينطبق أيضاً على كوارث مثل تشيرنوبيل أيضاً، فكيف قد تكون الحال في الدول العربية التي لا تمتلك التكنولوجيا النووية ومفاتيحها، إذا عانت كوارث مشابهة؟ وكم دولة عربية تقارب اليابان في التقدّم علمياً وتقنياً؟ واستطراداً، يجدر القول إن الدولة في اليابان أظهرت قدرة عالية في التعامل مع هذه الكارثة الطبيعية، استناداً إلى تبصّرها الكبير بمخاطر الزلازل عليها. ويكفي القول إن قوانين البناء في اليابان تفرض مراعاة شروط مقاومة الزلازل في المباني جميعها. وتملك اليابان نظاماً متطوّراً للإنذار المبكر من الزلازل والتسونامي، يقلّ نظيره عالمياً. ووفق مجلة «ساينس» الشهيرة، وهي الناطقة بلسان «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم»، ساهمت هذه النُظُم في إنقاذ الآف الأرواح في الحدث الياباني الأخير. ولا بد من السؤال عن عدد الدول العربية التي تفرض بقوة القانون، مراعاة شروط مقاومة الزلازل في مبانيها، خصوصاً الدول الواقعة على خطوط الزلازل؟ كم دولة عربية لديها نُظُم إنذار مبكر للزلازل والتسونامي؟ ما يزيد من القلق في هذه الأسئلة، أن المؤسسات العالمية المختصّة في مراقبة مدى جاهزية الدول لمواجهة الكوارث الطبيعية، تعطي تصنيفاً سلبياً للدول العربية في هذا الشأن! حلقة النار: براكين وزلازل يقدّر الخبراء أن اليابان شهدت في عام 869 زلزالاً مماثلاً في قوته لما عانته أخيراً. ويحلّ هذا الزلزال في المرتبة السابعة بين الزلازل العشرة الأشد قوّة في تاريخ الأرض، وهي على التوالي: تشيلي (قوة 9.5 درجة، 1960)، الولاياتالمتحدة - ألاسكا (9.2 درجة، 1964)، إندونيسيا - سومطرة (9.1 درجة، 2004)، روسيا - كامشتكا (9 درجات، 1952)، تشيلي والبيرو (9 درجات، 1868)، كنداوالولاياتالمتحدة (9 درجات، 1700)، اليابان (8.9 درجة، 2011)، تشيلي (8.8 درجة، 2010)، الإكوادور (8.8 درجة، 1906)، إندونيسيا - سومطرة (8.8 درجة، 1833). ويلاحظ أن هذه الزلازل تركّزت جغرافياً في منطقة تسمى «حلقة النار». ويرجع سبب التسمية إلى احتوائها على 452 بركاناً، و75 في المئة من براكين الأرض النشطة والخامدة. وشهدت أيضاً 80 في المئة من الزلازل الأشد عنفاً، و90 في المئة من مجمل عدد الهزّات الزلزالية في الكرة الأرضية. يبلغ طول الحلقة قرابة 40 ألف كيلومتر. وتشمل معظم الحدود الساحلية حول المحيط الهادئ، بمعنى أنها حدود الصفيحة التكتونية التي تحمل ذلك المحيط الهائل الذي يفوق مجموع اليابسة على الأرض بكثير! وتمتد هذه الحلقة من السواحل الشرقية للأميركيتين من أقصى الأرجنتين إلى أطراف كندا، والسواحل الغربيةلروسيا بداية من أقسامها المحاذية للقطب الشمالي، وتنحدر عبر اليابان والكوريتين والفيليبين، لتطوّق الأرخبيل الإندونيسي، وتنتهي قبل أن تصل إلى استراليا والقطب الجنوبي. وبسبب وقوع اليابان في هذه الحلقة الزلزالية، استطاع الزلزال أن يزحزحها. وللسبب عينه، تمكّن زلزال هايتي في 2010، أن يحدث أمراً مماثلاً، على رغم أن قوته كانت 7 درجات على مقياس ريختر. وفي هاتين الحالتين، أعقبت الزلزال هزّات ارتدادية بقوة تقارب الزلزال الأصلي، ما ساهم في انزياح البلدين عن موقعيهما على الكرة الأرضية. [email protected]