أن تمتلك بيتاً ليس أمراً مستحيلاً، لكنه «صعب»، وأصعب منه «البحث عن تمويل»، وبخاصة أن الخيارات محدودة؛ يحصرها ياسر أحمد (31 عاماً) في ثلاثة هي المصرف التجاري، صديق ثري، أو إرث لا يشارك أحد فيه. وحين تكون المستحيلات ثلاثة مع إضافة شروط قروض الصندوق العقاري، ستتحول إلى أربعة عند أكثر من 70 في المئة من السعوديين، الذين يعيشون في بيوت وشقق إيجار أو لا يزالون تحت سقف منزل والدهم. ووضع أحمد خطة بعيدة المدى، قسّم فيها المبلغ اللازم لبناء منزل، على عدد السنوات التي يحتاجها لجمعه، ولكن «مع راتبي لن أتمكن من بناء منزل إلا بعد 15 سنة فقط، إلا إذا حصلت على وظيفة أتسلّم فيها ضعف ما أتسلّمه الآن»، بشرط «ألا أدفع إيجاراً طوال السنوات المقبلة»، إلا أن شرطه مستحيل، ويضاف إلى بقية المستحيلات، خصوصاً أنه لا يستطيع السكن مع والده، «فالعائلة كبيرة، ولن يتنازل مؤجر الشقة عن ريال واحد، ولماذا يتنازل أصلاً؟». ظنّ أحمد للوهلة الأولى أنه استطاع وضع خطة بديلة: «سأتمكن من شراء منزل بتعويض التقاعد بعد 30 سنة»، وإن بدت ال 30 سنة طويلة، إلا أن «النتيجة ستكون مُرضية بلا شك، لن أكون مشرداً بين منازل الإيجار حينها»، ويقول ضاحكاً: «على أقل تقدير سيكون لأبنائي منزل دائم». وأضاف: «في حال فشلت خطة توفير الراتب وبعد سن التقاعد، فبناء شقة متواضعة فوق منزل الوالد، حلّ موقت، لكنه أفضل من الإيجار من دون شك». واستطرد: «كنت أحاول في وقت مضى فعل ذلك، أما الآن فالقرض الذي ما زلت أسدد أقساطه يستهلك ثلث الراتب، وحلمي هوى من منزل بحديقة وكراج لسيارتي، إلى شقة فوق السطح ولن يتحقق أيضاً، والسبب أن المصرف التجاري لن يعطيني قرضاً فوق قرضي، كما أن الصندوق العقاري لن يقدم شيئاً». ويعزو السبب وراء ذلك إلى أن الصندوق العقاري لا يقدم قرضاً للبناء فوق الأسطح، على رغم أن «الصندوق سيعطيك قرضاً، لكنه لن يقدم لي غير قطعة أرض»، لكن أحمد لا يزال متعلقاً بأمل وحيد يتمثل في حكمة «الصبر زين»، وإلى أن «يفتح الله علينا، سنصبر على دفع الإيجار»، ولا يعلق أملاً كبيراً على إرث «ربما يطلع لي من بيت الوالد غرفتان فقط». وانضم نذير إبراهيم (36 عاماً) إلى نسبة ال 22 في المئة من مالكي المنازل في السعودية، وإن كان الانضمام ليس تاماً، وإنما «نصف انضمام»، لكنه يحمد الله ويشكره على النعمة. وانتقل إبراهيم من «ضيق الدور إلى سعتها»، بعد أن «كنت أتقاسم وأبنائي غرفتين في منزل الوالد، الآن كل واحد منا له غرفة خاصة». وبدأت «رحلة الاستقلال» بغرف خاصة في شقة، قبل ثلاث سنوات، حين «تمكّن الوالد من شراء أرض بتعويض التقاعد، كما باع بيته القديم، وعزمنا على بنائها مهما كلّف الأمر». وكلّف البناء الكثير «اقترضت من مصرف تجاري، ووضعت ما جمعته طوال سنوات العمل، إضافة إلى الدخول في جمعيات مع الأصدقاء»، وتراكمت الديون ولكن «سأسددها على مهل، وإن كنت لا أوفر شيئاً من الراتب، إذ يذهب معظمه إلى المقرضين». ودخل إبراهيم مع والده وأخيه في «شراكة عقارية»، ويوضح «الأرض للوالد، وهو يتكفل ببناء الطابق الأرضي الخاص به، وأنا وأخي نتكفل ببناء شقتينا»، ولولا هذا الاتفاق لتحوّل «بناء منزل أو شقة إلى حلم مستحيل التحقق»، وبما أن «المنزل اكتمل وسكنا فيه، أعتبر ذلك إنجازاً لنا، من دون الالتفات إلى الكلفة العالية التي تكبدناها»، ما جعله يعلن إفلاسه أمام أصدقائه، «لكنني لم أخرج صك إعسار»، يضيف ضاحكاً. وتلاقي فكرة الدخول في شراكة، بين الأصدقاء أو الإخوة، رواجاً بين السعوديين، ويشير إبراهيم إلى أن «البعض يشترون أرضاً ويتقاسمونها في ما بينهم، وكل واحد منهم يبني فوقها بيتاً صغيراً في مساحة 300 متر مربع»، إلا أن «هذه الفكرة لا تروق للجميع، وبخاصة أنها تحمل بذور خلاف حول ملكية الأرض، إلا في حال تسجيلها بأسماء الشركاء». وتشير إحصاءات من العام الماضي إلى أن «طلبات القروض العقارية المنتظرة تخطت 600 ألف طلب».