في أصبوحة حية في رحاب جامعة الملك سعود طرح قسم الثقافة الإسلامية مشكلة «الابتزاز» على طاولة الحوار، واستعان بالمشايخ والمفكرين والشباب والشابات لنقاش أسبابها وآثارها ووسائل مكافحتها والوقاية منها. هذه المفردة المزعجة لم يستطع المشاركون تحديد حجمها في المجتمع لأن كثيراً من الحالات لم تسجل رسمياً لخوف الضحية، أو تسجل وتحاط بمزيد من السرية والحذر، مما يجعل الباحث يتعامل مع أخبار منشورة أو قصص للضحايا أنفسهم. ابتزاز الفتيات أسبابه عديدة ومتشعبة، ودوافعه تحتاج إلى تحليل دقيق من النواحي الشرعية والثقافية والقانونية وحتى النفسية. دخول وسائل الاتصال الحديثة بصورة كبيرة في حياة الأسر خصوصاً الفضائيات وشبكة الإنترنت، التي ألغت الحواجز والسواتر بين الجنسين، مع عدم معرفة الفتيات بضوابط الاستخدام، أو ما يسمى بالأمن المعلوماتي أسهم في انتشار المشكلة، أضف إلى ذلك دور الإعلام في عرض الأفكار السلبية وإثارة غرائز الشباب مع قتل عقولهم ومواهبهم، إلى جانب ضعف سبل الوقاية والمكافحة من ابتزاز النساء للوقاية من حيل الرجل سواء من جهة النساء أو أولياء أمورهن، وقلة من الفتيات تفكر في اللجوء للسلطات، ولا تعرف أي الجهات هي السلطة التي يجب التوجّه لها في هذه القضية؟ هل الأمر أخلاقي وحسب؟ وبالتالي فهي في هذه الحالة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم أن القضية جنائية «تهديد» وبالتالي فهي من مسؤوليات الشرطة؟ وعلى أية حال، فإنه لا بد من تسجيل نقاط إيجابية لكلا الجهازين. ومن الأسباب: الفراغ الروحي والوقتي، وحب الفضول والمغامرة والتجربة، والضحية في تلك التجربة الفاشلة الفتاة. غياب دور الأسرة: فمعظم القضايا التي سجلت لدى الجهات المختصة كانت أسبابها ضعف الدفء العائلي، مع ضعف الانفتاح العائلي حيث أصبح الابن في عالمه الخاص والبنت في عالمها الخاص، والأب والأم كلٌّ في عالمه، ولقاء العائلة محدود، بل ومعرفة الأب أو الأم بحياة أبنائهما وبناتهما في مستوياته الدنيا، من هنا يستطيع من تُسوّل له نفسه التسلل إلى قلب الشاب أو الفتاة، ويبقى الأمر غائباً عن أنظار العائلة، حتى تتفاقم المشكلة ويقع الشاب أو تقع الفتاة في الفخ وعندها لا يُفيد الندم، وفي كثير من الأحيان لا يتفهم الوالدان خطأ البنت، مما يجعلها تشعر بأنها في موقع الضعف، وتستمر البنت في الخضوع للابتزاز. التحوّل الكبير الذي طرأ على علاقات الناس ببعضهم ودخول جهات عدة، للمشاركة في التربية وإفراز جيل جديد لا يأبه بالموروثات الدينية أو الاجتماعية في ظل هذا التقدم التكنولوجي الهائل المحيط، أيضاً من الأسباب. متغيرات كثيرة وراء مشكلة الابتزاز تجمعها محركات أربع: المال، والوظيفة، والزوج، والصورة. لم يغفل الباحثون علاج المشكلة: وأوصوا بتعزيز الخوف من الله ومراقبته أو ما يعرف بالرقابة الذاتية التي تمنع المجرم من ارتكاب جريمته، كما أوصوا بتفعيل نظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي صدر من وزارة الداخلية 1428ه وجاء في مادته الثالثة: «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسمئة ألف ريال، أو بإحدى العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية، ومنها: التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم»، ومع ذلك لم يعلن عن حالات تمت معاقبتها مما يجعل المسيء يأمن العقوبة فيسيء الأدب. وطالب المشاركون بإيجاد قنوات آمنة تصل من خلالها ضحايا هذا النوع من الجرائم لمعالجة أمرها بصورة سرية، مع نشر رقم موحّد من ثلاث خانات يسهل حفظه، وأوصوا بتفعيل خطط استراتيجية لتنمية الشباب وإشغال الطاقة لديهم بمشاريع تعود عليهم بالنفع، وتشجيع العمل التطوعي مع خلق فرصه وآلياته وبرامجه وذلك لاستغلال طاقات الشباب، ووضع سياسات لتطوير الشباب تتوافق مع المتغيّرات المختلفة، والتعاون بين المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني للوقاية من مخاطر الابتزاز. توصيات كثيرة تمنى الحضور الكثيف من الشباب والشابات ألا تكون حبراً على ورق، وأن ترى النور قريباً وبسرعة تتناسب مع خطر المشكلة. * أكاديمية، وداعية سعودية. [email protected]