قد يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما الرجل الأكثر نفوذاً في العالم، إلا أنه يبدي خيبة أمل إزاء عجزه عن تحقيق مشاريع كبرى. يتحدّث أوباما عن القيود المفروضة على سلطته سواء في الداخل أو في الخارج، بينما يؤثر الجمود الذي يرافق الانتخابات التشريعية في منتصف ولايته سلباً على واشنطن، ويكاد يقضي على آماله بتحقيق فوز كبير في هذا الاقتراع. وغالباً ما يتشدد الرؤساء الأميركيون في سياساتهم الخارجية خلال ولايتهم الثانية عندما يشعرون بتراجع سلطتهم في الداخل. لكن الخيارات محدودة في الخارج، إذ إن نفوذ الولاياتالمتحدة مقيّد في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ما يعزز حجة الجمهوريين الذين يتهمون الرئيس بأنه يهدد فقط، وأنه يفتقد إلى سياسة خارجية متماسكة. وبدأ أوباما يبدي خيبة أمله في مجالس خاصة. وقال أمام ديموقراطيين أثرياء من نيويورك «لدي درج مليء بالمشاريع التي نعلم أنها ستنشئ وظائف وستساعد الطبقة الوسطى وتعزز الدخل وتزيد من قدرتنا التنافسية». وزاد: «لكننا نواجه حزباً في الجانب الآخر مصمماً على عقيدة رفض كل شيء». إلا أن أوباما يتحمّل قسماً من المسؤولية عن الوضع الذي وصل إليه. فإطلاق قانون الضمان الصحي الذي كافح من أجله لم يكن بالنجاح المتوقّع، كما إن نسبة تأييده التي تنعكس على قدرته على إقناع خصومه تتراجع، بحسب استطلاعات الرأي في منتصف ولايته الرئاسية الثانية. وبات شعور الرئيس بتراجع سلطته حاداً، خصوصاً أنه لم يعد أمامه سوى عامين ونصف العام في سدة المسؤولية. وحذّر أخيراً من أن المجال لتطبيق إصلاح شامل للهجرة بات شهرين أو ثلاثة فقط قبل استطلاعات تشرين الثاني (نوفمبر). وقياساً إلى إنجازات الكونغرس يعتبر هذا الجدول الزمني متفائلاً. وحتى لا يبدو في موقف الرئيس الذي شارف على انتهاء ولايته، أعلن أوباما العام 2014 «عام التحرّك»، ويوظّف سلطته التنفيذية لمحاربة التغييرات المناخية وتعزيز الطبقة الوسطى وإصلاح البنى التحتية في البلاد. ومع توقع تزايد سلطة الجمهوريين في مجلس النواب بعد الانتخابات التشريعية، يبدو أن أوباما لن يجد بعد الآن تأييداً كافياً في الكونغرس. ولعل من الأفضل أن تكون غالبية الكونغرس من الجمهوريين لأن ذلك من شأنه جعله أكثر ميلاً للمصادقة على اتفاق الشراكة بين دول المحيط الهادئ الذي يعتبر محور سياسة أوباما الخارجية في آسيا. وفي الخارج، الوضع ليس أسهل بالنسبة إلى أوباما. فغالباً ما كشفت جهوده لتهدئة أزمات الأمن القومي عن تأثيره المحدود بدلاً من قدرته على تغيير الأحداث. فتحذيراته للرئيس السوري بشار الأسد لم تلق آذاناً صاغية وسط المعارك في هذا البلد، كما أن جهود وزير الخارجية جون كيري لإطلاق عملية السلام في شرق الأوسط باءت بالفشل. أما دعوة أوباما أوروبا للاتحاد من أجل عزل موسكو بعد أن ضمت القرم إلى أراضيها، فيمكن اعتبارها في أفضل الأحوال دعوة مفتوحة يجري البحث في الأخذ بها، بينما آفاق التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران يمكن أن يشكّل مكسباً كبيراً فلا تزال تحيط بها شكوك كبيرة. إلا أن الإرث الأكبر لإدارة أوباما على صعيد السياسة الخارجية يمكن أن يكون تحقيق ما تعهّد به في عام 2008، وهو إخراج القوات الأميركية من العراق ومن أفغانستان. ولا يزال أمامه وقت لترسيخ سياسته لإعادة تركيز السياسة الأميركية الخارجية في آسيا، وذلك بعد جولة إقليمية ناجحة إلى المنطقة في الشهر الماضي. ويدعو أوباما حالياً إلى سياسة التكييف التدريجي في الخارج التي تقوم على تفادي المآزق العسكرية، متخذاً من الحرب في العراق «مثالاً كارثياً».