قد يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما الرجل الأكثر نفوذاً في العالم، إلا أنه يبدي خيبة أمل إزاء عجزه عن تحقيق مشاريع كبرى. يتحدث أوباما عن القيود المفروضة على سلطته سواء في الداخل أو في الخارج، بينما يؤثر الجمود الذي يرافق الانتخابات التشريعية في منتصف ولايته سلباً على واشنطن ويكاد يقضي على آماله بتحقيق فوز كبير في هذا الاقتراع. وفرضت المواجهات الاولى المتعلقة بالحملة الرئاسية المقبلة في 2016 وشغف وسائل الإعلام المطلق بكل ما يتعلق بالزوجين بيل وهيلاري كلينتون، على أوباما تقاسم الساحة السياسية منذ الآن. وغالباً ما يتشدد الرؤساء الأميركيون في سياساتهم الخارجية خلال ولايتهم الثانية عندما يشعرون بتراجع سلطتهم في الداخل. لكن الخيارات محدودة في الخارج، إذ إن نفوذ الولاياتالمتحدة مقيد في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، مما يعزز حجة الجمهوريين الذين يتهمون الرئيس بأنه يهدد فقط وأنه يفتقر إلى سياسة خارجية متماسكة. وبدأ أوباما يبدي خيبة أمله في المجالس الخاصة. وقال أوباما أمام ديموقراطيين أثرياء من نيويورك: «لدي درج مليء بالمشاريع التي نعلم أنها ستنشئ وظائف، وستساعد الطبقة الوسطى، وتعزز الدخل وتزيد من قدرتنا التنافسية». وتابع: «لكننا نواجه حزباً في الجانب الآخر مصمماً على عقيدة رفض كل شيء». مشاريع أوباما إلا أن أوباما يتحمل أيضاً قسماً من المسؤولية عن الوضع الذي وصل إليه. فإطلاق قانون الضمان الصحي الذي كافح من أجله لم يكن بالنجاح المتوقع، كما أن نسبة تأييده والتي تنعكس على قدرته على إقناع خصومه تتراجع بحسب استطلاعات الرأي في منتصف ولايته الرئاسية الثانية. وتواجه إدارة أوباما الآن صعوبات لاحتواء فضيحة بعد أن توفي 40 من قدامى المقاتلين، بينما كانوا ينتظرون تلقي العلاج في أحد المراكز الطبية في فينكس. في المقابل، ينتقد البيت الابيض تحقيقات الجمهوريين اللامتناهية حول مقتل اربعة اميركيين في الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي في 2012، معتبرا انه عمل تخريبي منحاز. وقال أوباما، خلال حفل العشاء السنوي لمراسلي البيت الابيض، في مايو: «يا له من شهر، أليس كذلك؟». ومع ان كلمته كانت حافلة بالنكات المعتادة في هذه المناسبة إلا أن نبرته لم تكن فرحة. ويقول كبار معاوني أوباما: إن الرئيس يجب الا يحاسب على ما يتمكن من تحقيقه ازاء الكونغرس المعادي له. وربما ذلك افضل لان أوباما لم يصدر حتى الآن اي تشريع يعزز إرثه السياسي في ولايته الثانية. وبات شعور الرئيس بتراجع سلطته، حاداً خصوصاً وأنه لم يعد أمامه سوى عامين ونصف العام في سدة الرئاسة. وحذر أوباما هذا الأسبوع من أن المجال لتطبيق إصلاح شامل للهجرة بات شهرين او ثلاثة فقط قبل استطلاعات نوفمبر. وبالقياس الى انجازات الكونغرس فإن هذا الجدول الزمني يعتبر متفائلاً. وحتى لا يبدو في موقف الرئيس الذي شارف على انتهاء ولايته، أعلن أوباما العام 2014 «عام التحرك» ويوظف سلطته التنفيذية لمحاربة التغييرات المناخية وتعزيز الطبقة الوسطى وإصلاح البنى التحتية في البلاد. ومع أن المراسيم الرئاسية فعالة إلا أنها لا تقارن بما يمكن أن يحققه الكونغرس عندما يكون أعضاؤه متوافقين. قال اوباما: «لدي درج مليء بالمشاريع التي نعلم أنها ستنشئ وظائف وستساعد الطبقة الوسطى، وتعزز الدخل، وتزيد من قدرتنا التنافسية، لكننا نواجه حزباً في الجانب الآخر، مصمماً على عقيدة رفض كل شيء»
انتخابات قادمة ومع توقع تزايد سلطة الجمهوريين في مجلس النواب بعد الانتخابات التشريعية، يبدو أن أوباما لن يجد بعد الآن تأييداً كافياً في الكونغرس. لكن الأمل لم ينقطع بعد بالتوصل هذا العام إلى قانون حول النقل يوافق عليه الحزبان، وأيضاً حول ضوابط لعمل وكالة الأمن القومي بعد تسريبات المستشار السابق ادوارد سنودن. ولعل من الافضل ان تكون غالبية الكونغرس من الجمهوريين، لان ذلك من شأنه جعله أكثر ميلاً للمصادقة على اتفاق الشراكة بين دول المحيط الهادئ الذي يعتبر محور سياسة أوباما الخارجية في آسيا. وإذا أمكن اعتبار البيانات الأخيرة بأن 300 ألف وظيفة تم إنشاؤها في أبريل، بمثابة مؤشر، فإن إدارة أوباما يمكن أن تأمل بصيف اقتصادي دون غيوم. فشل خارجي وفي الخارج، الوضع ليس أسهل بالنسبة إلى أوباما. فغالباً ما كشفت جهوده لتهدئة أزمات الأمن القومي عن تأثيره المحدود بدلاً من قدرته على تغيير الأحداث. فتحذيراته للرئيس السوري بشار الأسد، لم تلق آذاناً صاغية، وسط المعارك في هذا البلد، كما أن جهود وزير الخارجية جون كيري لإطلاق عملية السلام في شرق الأوسط باءت بالفشل. أما دعوة أوباما أوروبا للاتحاد من أجل عزل موسكو بعد أن ضمت القرم الى اراضيها فيمكن اعتبارها في افضل الاحوال دعوة مفتوحة يجري البحث في الأخذ بها، بينما آفاق التوصل الى اتفاق نووي مع ايران يمكن ان يشكل مكسباً كبيراً فلا تزال تحيط بها شكوك كبيرة. إلا أن الإرث الأكبر لإدارة أوباما على صعيد السياسة الخارجية يمكن أن يكون تحقيق ما تعهد به في 2008 وهو إخراج القوات الأميركية من العراق ومن أفغانستان. ولا يزال امام اوباما وقت لترسيخ سياسته لإعادة تركيز السياسة الاميركية الخارجية في آسيا، وذلك بعد جولة إقليمية ناجحة الى المنطقة في ابريل. تناقض ويبدو أن أوباما يلاحظ أكثر فأكثر التناقض في موقفه. فقد قال مؤخراً في كاليفورنيا: «لدي هذا اللقب الملفت في الوقت الحالي - رئيس الولاياتالمتحدة - لكنني عندما أصحو كل يوم وأفكر في التلميذات في نيجيريا أو الأطفال العالقين في النزاع في سوريا ... أريد أحيانا أن أتدخل لأنقذ هؤلاء الأطفال». وأضاف: «أعتقد أن تفكيك هذه القوى المدمرة وإنهاكها ممكن (خطوة خطوة)». وربما تكون هذه العقيدة في السياسة الاميركية نتيجة تجربة مريرة. إلا أنها تعتبر الحد الأدنى بالمقارنة مع ما أشار إليه أوباما عندما كان مرشحاً رئاسياً في 2008 في برلين بأن «الأمل المستبعد» يمكن أن «يغير العالم من جديد». وهذا التغيير لاحظه خصومه الجمهوريون، فقال السناتور الجمهوري ماركو روبيو الذي يمكن ان يترشح للانتخابات الرئاسية في 2016: «بدلاً من تغيير مجرى الأحداث في العالم غالباً ما يصدر عنه رد فعل فقط». إلا أن أوباما يدعو الآن إلى سياسة التكييف التدريجي في الخارج، والتي تقوم على تفادي المآزق العسكرية. وقال أوباما في مانيلا في أبريل الماضي: «قد لا تروق هذه السياسة دائماً إلا أنها تتفادى الأخطاء»، مشيراً إلى الحرب في العراق كمثال «كارثي».