لم يكن فكر المعارضين لتعليم المرأة السعودية في أواخر خمسينات القرن الماضي قادراً على تصور ما ينتظرها، إذ لم يتوقع أولئك المعارضون أن تصبح بعد عقود قليلة عالمة وطبيبة وقيادية، لتنال الجوائز والأوسمة وترفع اسم بلادها عالياً. وشنّ متشددون هجوماً شرساً في أواخر الخمسينات على فكرة تعليم المرأة، وحاربوا بشتى السبل افتتاح مدارس متخصصة لتعليم البنات بعد صدور القرار الملكي عام 1959 القاضي بالسماح لهن بالتعلّم أسوة بالصبيان، من خلال مدارس خاصة. خمسون عاماً كانت كفيلة بأن تتبوأ أول امرأة سعودية موقعاً قيادياً في المؤسسات الحكومية السعودية، عند تعيين نورة الفايز نائبة لوزير التربية والتعليم. وبالعودة نصف قرن إلى الوراء، كان تعليم الفتاة السعودية عيباً، ومصدراً للفتن بحسب الأصوات المعارضة، التي علت مطالبة بإغلاق تلك المدارس التي اعتبرتها في ذلك الوقت «بؤر فساد»، وخطوة أولى في طريق فساد المرأة والمجتمع. وظلت مدارس البنات، على رغم تكاثرها على مدى 43 عاماً، تحت سيطرة الرئاسة العامة لتعليم البنات قبل أن تدمج بوزارة التربية والتعليم، بعد حريق مدرسة مكة عام 2002 الذي ذهبت ضحيته 14 طالبة، بسبب رفض رجال من جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السماح لرجال الدفاع المدني بالدخول وإطفاء الحريق، بحجة عدم وجود محرم، علماً بأن المدرسة كانت تحوي أكثر من 800 طالبة. اليوم يتجاوز عدد المعلّمات في السعودية الآلاف، بعد أن كنت لا تجد لهن أثراً قبل بضعة عقود، والجامعات النسائية تملأ المملكة، ولعل أبرزها جامعة الأميرة نورة في الرياض. واختلفت النظرة الى المرأة السعودية، إذ استطاعت الوصول إلى مناصب قيادية، ليس فقط على المستوى المحلي، بل العالمي أيضاً، ونالت جوائز وأوسمة لهذا التميز والتفوق. وقلّد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الدكتورة خولة الكريّع عام 2010 وساماً من الدرجة الأولى لقاء تحقيقها إنجازات بحثية متميزة. وتعمل الكريع رئيسة لمركز الأبحاث وكبيرة علماء أبحاث السرطان في مستشفى الملك فيصل التخصصي، وبرعت في عملها كباحثة متخصصة حققت إنجازات طبية متميزة في مجال أبحاث الصفات الوراثية (الجينية) للخلايا السرطانية. وكان الملك كرّم أيضاً طبيبة العيون السعودية الدكتورة سلوى الهزاع. وتخطت منجزات المرأة السعودية في مجال الطب حدودها المحلية، فحصلت البروفسورة غادة المطيري في عام 2010 على جائزة الإبداع العلمي عن أفضل مشروع بحثي من بين عشرة آلاف باحثة وباحث على مستوى العالم، من أكبر منظمة لدعم البحث العلمي في الولاياتالمتحدة الأميركية NIH وقيمتها 3 ملايين دولار. الحديث عن سعوديات مبدعات يطول، خصوصاً في مجال الطب، كاكتشاف الدكتورة الهام أبو الجدايل الخلايا الجذعية قبل أكثر من عشر سنوات، وتسجيلها هذا الاختراع باسمها في أميركا وبريطانيا. والدكتورة حياة سندي التي نالت إعجاب مشاهير العلماء في العالم، واختيرت عضواً في مجلس الباحثين المتفوقين، وحصلت على اعتراف قسم الفيزياء الفلكية في «كانز بري»، وأصبحت عضو هيئة التدريس في كلية الطب في جامعة كمبريدج ومنحت العضوية الفخرية في كلية المدرسين في جامعة كمبريدج، خصوصاً بعدما اخترعت مجساً يساعد في فهم الأدوية وكيفية عملها في الجسم، ما يساهم في الكشف عن الحالات المبكرة للسرطان. وتعتبر الدكتورة هويدا القثامي أول استشارية أولى لجراحة القلب في الشرق الأوسط، والثانية في العالم، وانتخبت واحدة من بين 50 شخصية مشهورة على مستوى العالم. وتقلدت وسام الملك فيصل من الدرجة الرابعة. وبعيداً من المجال الطبي، استطاعت المرأة السعودية أن تكون جزءاً من مجلس الشورى كمستشارة فيه، إذ صدر قرار في عام 2009 بتعيين أربع سيدات في منصب مستشارات في مجلس الشورى كما جدّدت الموافقة لثلاث مستشارات سابقات ليصل عدد المستشارات إلى سبع للمرة الأولى في تاريخ المملكة. كما تم التجديد لثلاث مستشارات من بين المستشارات الست المعينات عام 2006. وتلا هذا القرار، آخر بتعيين خمسة مستشارات أخريات. بعد 50 عاماً من مسيرتها التعليمية والعملية، تمكنت المرأة السعودية من دخول المجلس، لأخذ مشورتها لتشارك بشكل كبير وفاعل في بناء مجتمعها، خصوصاً أنها أصبحت شريكاً فاعلاً في الميادين كافة، فهي من تقود مسيرة العمل التطوعي في السعودية منذ إنشاء أول جمعية نسائية متخصصة في العمل التطوعي في جدة، وأسهمت في شكل فاعل خلال السنوات الماضية في هذا المجال. كما دخلت السعودية ميدان الاقتصاد فاستطاعت خلال السنوات الخمس الماضية دخول انتخابات مجالس الغرف السعودية والفوز بعضوية مجلس إدارتها. وفي عام 2005 شاركت للمرة الأولى في انتخابات أعضاء مجالس الإدارة في الغرف التجارية، وجرت أول تجربة انتخابية في مدينة جدة، ما كرّس وجودها رسمياً في أقدم غرفة تجارية في السعودية. وعلى رغم عدم تحقيق المرأة السعودية أي فوز يذكر في عضوية مجالس الغرف السعودية التي أجريت انتخاباتها الدورية بعد غرفه جدة إلا أن التجربة الثانية لترشيح المرأة لعضوية مجالس الغرف التجارية شهدت إقبالاً كبيراً من قبل السيدات في الغرف السعودية كافة، ولكن ظلت غرفة جدة هي المحتفظة بحق المرأة في هذه العضوية. اليوم، يمكن القول إن المرأة السعودية حققت نجاحات كبيرة خلال 50 عاماً مضت، على رغم قصر مدة تجربتها في التعليم والعمل والمساهمة في بناء المجتمع، إلا أنها أصبحت شريكاً فاعلاً فيه، نالت أوسمة ومناصب قيادية، واستطاعت الرد على تلك الأصوات التي نادت بعزلها عن مجتمعها، بإثباتها أنها قادرة على العمل والبناء ورفع اسم بلادها عالياً.