أخطأت استطلاعات الرأي مراراً في كل من انتخابات الرئاسة الأميركية التي فاز فيها دونالد ترامب، وقبلها فشلت الاستطلاعات في بريطانيا ونجح الداعون إلى الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. فإلى أي مدى يمكن الاستطلاعات في ألمانيا أن تصدق في توقعاتها المستمرة منذ شهور وأفادت بتحقيق المستشارة الألمانية أنغيلا مركل فوزاً سهلاً على غريمها الاشتراكي مارتن شولتز غداً الأحد؟ يرى مراقبون هنا أن للانتخابات التشريعية في ألمانيا وجهين: الأول يُظهر أن السباق على منصب المستشار حُسم مع تقدم مركل بمقدار 15 نقطة تقريباً على غريمها، والثاني يُبرز شكوكاً في مدى صدقية الاستطلاعات التي تجريها معاهد بحوث عدة، خصوصاً أن وسائل الاستطلاع المعتمدة «كلاسيكية» تركز على الاتصال الهاتفي مع عينة من الناخبين. واعترف بعض هذه المعاهد أخيراً بأن عدد الناخبين الذين لم يحسموا مواقفهم بعد، انخفض من نحو 50 في المئة قبل شهر تقريباً إلى ما بين 25 و30 في المئة في الأيام الأخيرة، ما يعني أن المفاجآت لا تزال واردة. وحتى هذه اللحظة لم تُلحظ إشارات واضحة إلى استخدام أخبار زائفة (فيك نيوز) خلال الحملة الانتخابية. على رغم ذلك، لا أحد ينفي أن حظوظ المستشارة مركل بالنجاح أكبر من حظوظ منافسها شولتز لأسباب عدة أهمها، أن الأخير قفز قبل أشهر قليلة إلى موقع المنافس لها بدلاً من رئيس الحزب السابق وزير الخارجية الحالي زيغمار غابرييل الذي انسحب بسبب انعدام حظوظه. وعلى رغم الشعبية التي اكتسبها شولتز كرئيس كاريزماتي للبرلمان الأوروبي، إلا أن ابتعاده فترة عشر سنوات من السياسة الداخلية في ألمانيا مقابل نجاح مركل فيها كمستشارة منذ 12 سنة، جعل القلقين من التغيير و «الجديد غير المعروف» يفضلون عودة «القديم المجرّب»، إضافة إلى ذلك أخطاء انتخابية تكتيكية وقع فيها شولتز وحزبه. ومع اتهام كثرٍ المستشارة بأن قرارها دعوة اللاجئين الهاربين من سورية والعراق بصورة خاصة، إلى ألمانيا قسم الشعب الألماني إلى مؤيد ورافض، وأحدث شرخاً داخل تحالفها المسيحي. إلا أنها أثبتت لهم أنها (إلى جانب السويد والنمسا الصغيرتين) الوحيدة التي أعطت بلدها في أوروبا وجهاً إنسانياً سيبقى ملتصقاً به وباسمها لأجيال. وهي صدقت بالتالي حين قالت جملتها الشهيرة: «سنتغلب على الصعاب»، وأثبتت أن في الإمكان الاعتماد على قراراتها في الظروف المختلفة. مع ذلك، لا بد من الاعتراف في المقابل بأن خطوتها الإنسانية الجانب دفعت اليمين المتطرف المعادي الأجانبَ والمسلمين، إلى التوحد تحت راية «حزب البديل من أجل ألمانيا». وتمكن الحزب الوليد بالفعل من إثارة هلع الديموقراطيين في كل الأحزاب والفئات الاجتماعية بعد «اجتياحه» للمرة الأولى برلمانات محلية عدة أجريت فيها انتخابات خلال العامين الماضي والحالي، وحصده نسبة من الأصوات وصلت إلى 14 في المئة في بعضها. صحيح أن الحزب تراجع بعض الشيء، إلا أن الاستطلاعات تشير ليس فقط إلى دخوله البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) للمرة الأولى، بل وإلى حصوله على 12 في المئة تمكنه من التقدم على أحزاب صغيرة عريقة في العمل البرلماني مثل «الليبرالي» و «الخضر» و «اليسار»، وبفارق نقطتين أو ثلاث. وإن حصل ذلك سيصبح هذا الحزب الناطق الأول باسم المعارضة داخل البرلمان، علماً أن كتلته ستضم نواباً من العنصريين والنازيين الجدد مثل مرشحهم الرئيسي ألكسندر غاولاند، وهو ما سيدعّم نفوذه في ألمانيا. ولا شك في أن الحزب الاشتراكي، حزب المستشار فيلي براندت، سيكون في وضع حرج، بل في ورطة هذه المرة، إن قبل الاكتفاء بدور الشريك الصغير في حكومة مركل للمرة الثالثة على التوالي، ما سيؤدي إلى فقدان هيبته التاريخية وعزوف مؤيدين كثر عنه. وقد يكون من الأفضل له ترك مركل تشكل حكومة ثلاثية تضم الحزب الليبرالي وحزب الخضر، وتزعّم المعارضة بدلاً من تركها للنازيين الجدد. والموقع هذا سيمكن شولتز من تأهيل نفسه أكثر لانتخابات عام 2021 في وقت لم تبرز بعد شخصية قوية تخلف مركل التي ستكتفي على الأرجح بالتعادل مع فترة حكم عرّابها مستشار الوحدة هلموت كول وتنسحب من الحياة السياسية.