خيارات المجتمع الدولي والولاياتالمتحدة ضيقة في ليبيا. ولا أحد يرغب في اللجوء الى تدخل بَرّي بعد سابقة العراق. وأعلن الثوار الليبيون في بنغازي وفي معاقلهم في شرق البلاد رفضهم انتشار جنود أجانب على أراضيهم. وفي وسع الولاياتالمتحدة وأوروبا تقديم مساعدات إنسانية وطبية للثوار وطرابس، على حد سواء. ولكن حملات قوات القذافي لا تزال غير فعالة. لذا، لا يشعر المجتمع الغربي بضرورة التحرك. فالقذافي يبدو في موضع ضعف. واقتراح فرض منطقة حظر جوي يبعث عدداً من الأسئلة، فمن هي الجهة التي تتولى فرضه، أهي حلف الناتو أم تبادر إليه الولاياتالمتحدة منفردة؟ وواشنطن تستسيغ أن يكون قرار فرضه جماعياً تحت راية الناتو. ولكن تنظيم حظر جوي جماعي يتطلب وقتاً أطول من تنظيم أحادي له. فهو يفترض تنسيق الدول المشاركة لتفادي سقوط طائراتها بنيران صديقة، والاستعداد لمواجهة صواريخ أرض - جو ليبية. وقد يغلق القذافي مطار طرابلس رداً على مثل هذه الخطوة، فيعوق مغادرة من يشاء الرحيل. والى اليوم، لم يتوسل القذافي بكامل قوى قواته الجوية. ومرد ذلك ربما الى سوء كفاءتها أو الى هرب الطيارين. ويواجه القذافي خطر خسارة مقاتلات حربية كل مرة تقلع طائرة عسكرية. فقد يلجأ الطيار الى مالطا أو يغادرها قفزاً بالمظلة، أو يلقي القنابل فوق الصحراء عوض الأهداف المحددة. ولا ينذر اقتراب البارجات الأميركية من المياه الليبية بعزم الولاياتالمتحدة التدخل عسكرياً. فمثل هذا التدخل يفترض أن يقع القذافي في المحظور وأن ينتهك خطاً أحمر على غرار شن عمليات قصف جوية واسعة النطاق، أو حملة برية واسعة أو استخدام أسلحة كيماوية. وسبق له أن لجأ الى غاز الخردل السام في التشاد. ولكنه لم يحسن إصابة الأهداف، فأصاب قواته بالغاز. وإذا تبين أن القذافي احتفظ بأسلحة كيماوية ولم يدمرها على ما زعم، وبادر الى استخدامها، جاز شن ضربات جوية على قواته. والمجتمع الدولي لن يبارح تردده ما لم يلجأ القذافي الى مثل هذه الأسلحة. فهو، الى اليوم، لم يقدم سوى على الدفاع عما تبقى له من الأراضي. وفي مطلع الأزمة، التزمت إدارة أوباما الحذر، ولكنها سرعان ما خففت منه. ويبعث على الأسف أن أنظار العالم كلها تتجه الى واشنطن في انتظار ردّ على الأزمة الليبية، في وقت كان حرياً بأوروبا، وهي الأقرب جغرافياً الى شمال أفريقيا، أن تبادر. فالمصالح الأوروبية في ليبيا تفوق المصالح الأميركية. وباريس وواشنطن ولندن وروما مدعوة الى تنسيق ردودها. وإعلان وزير الخارجية الفرنسية أن بلاده لن ترسل جنوداً الى ليبيا من غير تفويض من مجلس الأمن، مهم. فهو يفرض قيوداً على التدخل الأميركي الأحادي. والحق أن خيارات القذافي في اللجوء الى المنفى ضيقة. وقلة من الدول مستعدة لاستضافته. وضيق الخيارات هذه قد يحمله وأبناءه على التمسك بالسلطة الى آخر رمق. * مسؤول سابق في جهاز الاستخبارات الأميركية، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 3/3/2011، إعداد منال نحاس.