انفجرت أمس، الأزمة الكامنة التي تعيشها «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) مع إعلان نائب رئيس الجبهة فلوريان فيليبو انسحابه منها، الأمر الذي تبعه إليه أعضاء آخرون. وجاء قرار فيليبو الذي تولى الإشراف على حملة رئيسة الجبهة مارين لوبن لانتخابات الرئاسة الأخيرة، غداة قرار اتخذته الأخيرة و يقضي بإعفائه من مسؤولية تحديد النهج الاستراتيجي والإعلامي للجبهة. وقال فيليبو في معرض تبريره قرار انسحابه إنه «غير ميال إلى السخافة والخمول ليس من طباعي، وبناء عليه سأترك الجبهة»، مؤكداً عدم رغبته في الاستمرار في شغل منصب نائب الرئيس بعد إفراغه من أي محتوى. وبذلك فإن عملية قص الجوانح التي كانت تهدد فيليبو منذ خسارة لوبن لمعركة الرئاسة، أصبحت أمراً واقعاً، ذلك أن عديدين داخل الجبهة ألقوا عليه مسؤولية هذه الخسارة باعتباره مصمم الحملة الملطفة التي أضفيت إلى الجبهة وجعلتها تبدو أكثر مرونة وانفتاحاً، مقارنة مع التقوقع التي عاشته في العقود الماضية. والواضح أن لوبن أرادت تحويل فيليبو إلى كبش فداء وتحميله تبعات هزيمتها التي نتجت عن سوء أدائها خلال الحملة وافتقارها إلى الإعداد المطلوب والاطلاع، وهو ما بدا للجميع خلال مناظرتها البائسة مع الرئيس إيمانويل ماكرون. وبررت لوبن الإجراء المتخذ بحق فيليبو برفضه المستمر للتخلي عن جمعية «الوطنيون» التي أسسها أثناء الانتخابات الاشتراعية في الربيع الماضي، باعتبارها مناقضة للجبهة وهو ما قال إنه «لا يتفهمه على الإطلاق.» لكن السبب الفعلي لسلوكها هذا هو عدم رغبتها في خوض مراجعة لنهجها خلال الحملة الرئاسية وإذعانها للأصوات التي سمعت داخل الجبهة وتدعو للعودة إلى التركيز على مواقف العداء التقليدية حيال المهاجرين والمسلمين والتخلي عن التوجهات الاجتماعية التي أعدها فيليبو ويعتبرها كثيرون يسارية. وأثار انسحاب فيليبو الذي تبعته انسحابات أخرى من الجبهة، سخط لوبن التي قالت انها تحترم هذا القرار لكنها ترفض التبريرات التي تظهره في موقع الضحية. وأكدت لوبن أن الجبهة قادرة على الاستمرار والنهوض من دون فيليبو الذي توقعت له «موتاً سياسياً»، لأن «كل الذين خاضوا مغامرات سياسية منفردة كان مصيرهم الزوال». وأعقبت انسحاب فيليبو تصريحات عدة لمسؤولين في الجبهة أبدوا ارتياحهم لتخلصهم منه خصوصاً بسبب العلاقة المميزة التي ربطته بلوبن على مدى سنوات. وكان أقسى هذه التصريحات على لسان شريك حياة لوبن لوي آليو الذي وصف فيليبو بأنه «متطرف وفئوي ومتعجرف ومغرور». وكانت الجبهة شهدت أوقاتاً عصيبة عام 1999 إثر الخلاف بين زعيمها في حينه جان ماري لوبن والرجل الثاني فيها برونو ميغريه الذي انشق احتجاجاً على محاولة إسناد رئاسة لائحة المرشحين للانتخابات الأوروبية إلى زوجة لوبن جاني.