غص الصرح البطريركي في بكركي امس، وقبل يومين من إقفال أبوابه على أعضاء سينودس المطارنة لانتخاب بطريرك جديد للموارنة في لبنان، بالشخصيات والوفود التي حضرت لشكر البطريرك نصر الله صفير، الذي قبل الفاتيكان استقالته، وكان أبرزهم وفد من كتلة «المستقبل» النيابية برئاسة الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. وشكر السنيورة في كلمة له البطريرك صفير «على كل ما قام به من اجل لبنان الرسالة، لبنان الذي اثبت مرة بعد أخرى أنه وبصيغته الفريدة ليس حاجة لبنيه فقط بل للعالمين العربي والإسلامي والعالم أجمع». وضم الوفد النيابي الذي ترأسه السنيورة: نهاد المشنوق، هادي حبيش، غازي يوسف ونبيل دو فريج. وتلا السنيورة بياناً بعد اللقاء توقف فيه عند «محطات وإنجازات صنعها هذا الرجل الكبير لوطنه وأبناء بلده وطائفته». وقال: «أعطانا في جوانب كثيرة من تجربته الحافلة أمثلة تحتذى. لكنه في الطريقة التي تصرف بها أخيراً قدم للبنانيين أمثولة كبيرة، فهو الذي تقدم باستقالته لكي يتيح المجال أمام غيره لتسلم المسؤولية. وكما يلاحظ الكثيرون، فإن المشكلة الأساس في محيطنا العربي الذي يشهد ثورات وانتفاضات في هذه الأيام، هي مشكلة رفض القبول بمبدأ تداول السلطة. لكن البطريرك صفير اثبت بمبادرته هذه انه طليعي في هذا الخصوص لأنه حرص على تطبيق هذا المبدأ الأساسي في الحياة والمسؤولية العامة». وتوقف «عند اهم ادوار صفير قاطبةً والتي سيسجِّلُها له التاريخ، دوره في رعاية التسوية التاريخية التي أنهت الأزمة اللبنانية والتي جرى التوصل إليها في الطائف». وقال: «من دون دور البطريرك صفير وموافقته ورعايته لما أَمكن التوصل إليها ولما تمكن لبنان من إعادة صياغة ميثاقه الوطني والتي نقلته من حال إلى حال. كان وظل في أزمنة الدعوة إلى التقوقع والانعزال متمسكاً بالعيش اللبناني المشترك مثلما ظلّ الصوت الصارخ المدافع عن العدالة والسيادة والحرية والاستقلال، وكانت له أدوار أخرى كبيرة لا يمكن تجاهلها، منها رعايته المصالحة التاريخية في الجبل تمهيداً لعودة المهجرين وعودة الوئام وكسر الجليد بين الفئات اللبنانية التي تباعدت إثر محنة الجبل اللبناني في أعقاب الغزو الإسرائيلي المدمر للبنان ونتيجة له». وتوقف السنيورة عند «الدور الأساس الذي لعبه صفير في التهيئة الكبيرة والحثيثة لصدور الإرشاد الرسولي من أجل لبنان»، وقال: «كما لا يمكن أن نتجاوز دوره على رأس مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك الذي أعاد وعلى مدى عَقدَين من الزمان الصعب تأكيدَ الثوابت الوطنية اللبنانية والعمل على إعلاء شأن مسيحيي الشرق، ومواقفه الوطنية خصوصاً في مواجهة إسرائيل وعدوانها حيث فتحت أبواب بكركي وبمبادرة منه لأول قمة روحية إسلامية - مسيحية أبان العدوان الإسرائيلي عام 1993 لجمع الصف في مواجهة العدو. وتكرر انعقاد هذه القمة أبان عدوان إسرائيل في عناقيد الغضب عام 1996، وكانت القمة الإسلامية - المسيحية في بكركي الحاضن الأساس للنقاط السبع التي أعدتها وتقدمت بها الحكومة اللبنانية وشكلت المنطلق للقرار الدولي 1701عام 2006 وبالتالي الأساس باتجاه الخروج من المحنة آنذاك». ونوه برعاية صفير وحمايته «انتفاضة الاستقلال فكان عن حق بطريرك الاستقلال الثاني للبنان، وانتفاضة الاستقلال، هذه الانتفاضة التي أعادت تأكيد خصائص لبنان الأساسية، وهي التمسك بهذا الاستقلال وبالحرية المستندة إلى النظام الديموقراطي والحفاظ على الآلية الدستورية لتداول السلطة، والتشبث بالسلم الأهلي وبلبنان العربي في شتى الظروف. وعمدت إلى تأكيد احترام مبادئ العدالة ورفع الظلم والاعتدال والتسامح وسلوك طريق الحوار والتفاهم وسبله لمعالجة المسائل التي قد تعترض تقدم اللبنانيين نحو الغد الأفضل». وثَمَّنَ فرنجية بعد لقائه صفير «مواقف البطريرك، خصوصاً في الآونة الأخيرة»، مشيراً الى ان «صفير إنسان كبير يجب احترامه». واكد ان « صفير لم يسء لأحد شخصياً، وأنا قد أكون أسأت اليه في احدى المراحل بسبب الصراحة وتخطي الخطوط الحمر»، مشيراً الى أن «بكركي كانت وستبقى المرجع الاول، والمواقف السياسية ستصبح وراءنا». وإذ أكد ان «أحداً لا يتدخل في انتخاب البطريرك الجديد»، تمنى على الخلف ان يكون «على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء». وكانت بكركي غصت امس، بالزوار ومنهم وفد من «مؤسسة حقوق الإنسان والحق الإنساني» برئاسة وائل خير الذي ألقى كلمة شكر فيها «من فتح أبواب صرحه في زمن اشتد سواده». وقال: «في عدادنا أعضاء «التيار الوطني الحر» الذين سيقوا بالمئات إلى سراديب وزارة الدفاع ومن كان اكثر حظاً إلى أماكن توقيف اقل هولاً، ونشطاء «القوات اللبنانية» وأقرباؤهم الذين خضعوا لألوان تعذيب لا عهد به أدت إلى موت أثناء التحقيق، وبيننا إسلاميون من الضنية وسواها أودعوا السجن من دون محاكمة أو تكاد، لسنين ذاقوا تعذيباً لا يختلف قيد أنملة عما مارسته سلطات القمع في أشد الأنظمة القمعية هولاً، ومؤسسات إعلام وإعلاميون استجاروا بكم فما لقي احد منهم صدوداً، وعائلات من أوقفوا بتهمة التعامل مع إسرائيل طرقوا بابكم فنددتم بالتعذيب الذي كان الموقوفون ضحيته، وعائلات المحتجزين في سورية كان آخرها منذ أيام. ما كانت نجدتكم لتقف عند حدود الاضطهاد السياسي بل تعدته لنجدة كل مظلوم. ضحايا ظلم المحاكم العدلية استجاروا بكم فكنتم لهم ظهيراً». ورد صفير بكلمة قال فيها: «استمعنا إلى ما جاء به علينا من نطق باسمكم وذكرنا بما قمنا به وكنا نسيناه لأن هذا واجب علينا، وواجب علينا أن نكون إلى جانب المضطهدين اللبنانيين الذين يسامون خسفاً وهواناً وقد عملنا ما كان يجب أن نقوم به، وأنتم ما سطرتم لنا نجاحنا في هذا الأمر ونشكر لكم ذلك، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً إلى ما فيه رضاه وخير وطننا لبنان». وتلقى صفير اتصالاً هاتفياً من نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، وعرضا الأوضاع العامة على الساحة اللبنانية.