تواجه مبادرة أعلنها رئيس الجمهورية العراقي فؤاد معصوم، مستندة في مجمل نصوصها إلى اقتراح قدمه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لحل أزمة استفتاء انفصال إقليم كردستان، رفضاً من بغداد وأربيل، ما يدفع الأزمة إلى حلول اللحظات الأخيرة التي مازالت مطروحة حتى داخل حزب رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. وحضت المملكة العربية السعودية أمس، الأطراف العراقية على بدء حوار لتحقيق مصالح الشعب بمكوناته. وأكد بيان أصدرته وزارة الخارجية «أن الحوار يضمن الأمن والسلام في العراق ويحفظ وحدته وسيادته». ودعا السلطات في كردستان العراق إلى الحفاظ على المكتسبات التي حققها الإقليم. وطالب الأطراف العراقية بالعودة إلى الاتفاقات الموقّعة وأحكام الدستور العراقي (للمزيد). ووجد معصوم، ثاني رئيس كردي للعراق بعد جلال طالباني، نفسه في موقف حرج تتنازعه فيه مطالبات قوى في بغداد بإعلان رفضه العلني الاستفتاء الكردي، وبين انتمائه الحزبي والقومي الذي يحتم عليه الاصطفاف إلى جانب بارزاني، واختار تقديم مبادرة هي امتداد لاقتراحات قدمها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق يان كوبيش. وتدعو وثيقة المبادرة التي اطلعت عليها «الحياة»، الإقليم إلى تأجيل الاستفتاء في مقابل مفاوضات غير مشروطة تتم مع بغداد، وتضع سقفاً زمنياً يمتد إلى 3 سنوات وفي حال فشلت يعود الإقليم إلى إجراء الاستفتاء. وتنص المبادرة على «تشكيل لجنة عليا ولجان مشرفة تتولى الحوارات وتكون برئاسة رئيس الجمهورية وتضم رئيسي مجلس الوزراء الاتحادي ومجلس النواب، ورئيس مجلس وزراء الإقليم بالاشتراك مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة». وكان معصوم زار مدينة السليمانية أمس، التي وصلها بارزاني أيضاً، حيث حصل اجتماع ضم القيادات الكردية خلص إلى إرسال وفد رفع المستوى إلى بغداد، بحسب بيان من رئاسة الجمهورية. لكن كلمة ألقاها بارزاني في نطاق حملته الدعائية لحشد المواطنين وإقناعهم بالمشاركة في الاستفتاء أمس، تضمنت إشارات إلى رفض مبادرة معصوم، حيث أكد أن المبادرات المقدمة لا تستوفي الشروط. وحض بارزاني المواطنين في الإقليم على «المشاركة الفاعلة في الاستفتاء لحسم الاستقلال»، وقال: «ارتكبنا خطأ فادحاً بالعودة إلى بغداد عام 2003 بعدما كنا إقليماً مستقلاً». وجاء رفض المبادرة صريحاً أيضاً من رئيس الحكومة حيدر العبادي ورئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي، حيث اعترض الأول على وجود سقوف زمنية للحوار، فيما اعتبر الثاني أن مبادرة معصوم مرفوضة لأنها غير دستورية. وتخشى بغداد أن يكون وضع سقف زمني لمفاوضات مع الإقليم بمثابة اعتراف بحق الإقليم في تنفيذ الاستفتاء، فيما يؤكد مسؤولون عراقيون أن الاستفتاء غير دستوري بكل الأشكال. وحذر العبادي خلال لقائه عدداً من الإعلاميين والمحللين السياسيين، من أن «تغيير الحدود من طرف واحد يفتح باب الدماء على مصراعيه»، ولوح ب «اللجوء إلى فرض الأمن بالقوة في حال نشوب العنف»، وأكد أن «المسؤولين في السعودية اتصلوا بنا وقدموا مبادرة لحل الأزمة والتدخل، ونشترك في الأفكار في عدم جر المنطقة إلى مشاريع التقسيم والتجزئة». وعلى رغم لهجة بارزاني التي تبدو في التجمعات الشعبية حازمة بالذهاب إلى الاستفتاء في إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، ومنها كركوك التي عقد محافظها المقال نجم الدين كريم أمس اجتماعاً للبحث في تحضيرات الاستفتاء، تؤكد التسريبات السياسية وجود معارضة في الأوساط السياسية المختلفة للاستفتاء، بعضها من داخل حزب بارزاني «الاتحاد الوطني»، حيث لا يظهر رئيس الحكومة وابن أخي الرئيس نجيرفان بارزاني في المنتديات العامة، وقال أمس لوسائل إعلام كردية: «مستعدون لمنح بغداد فرصة أخرى (...) نريد حل المشكلات في المناطق المتنازع عليها مع الحكومة العراقية، ولا نرغب بالحرب وهذا ليس في مصلحتنا»، لكنه اشترط وجود سقف زمني للحوار مع بغداد، ما يشير إلى قبوله مبادرة معصوم. وفي الرياض، أكد البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية، أن «عدم إجراء استفتاء كردستان سيجنب العراق والمنطقة الأخطار»، وتابع أن «المملكة تتطلع إلى حكمة الرئيس بارزاني بعدم إجراء الاستفتاء». ونوّه إلى أن أي إجراءات أحادية في العراق ستزيد في تعقيد الوضع الإقليمي.