يواجه رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، الذي يقود حملة الانفصال عن العراق، ثلاثة خيارات على الأقل، مع بدء العد التنازلي للاستفتاء في 25 أيلول (سبتمبر) الجاري، هي خوض المواجهة وتحمل أخطارها، أو التراجع وقبول حل دولي للحوار مع بغداد، أو الاكتفاء باستفتاء داخل «الخط الأزرق» لا تترتب عليه إجراءات انفصال جادة. وذكر في بغداد أن قمة ثلاثية تركية- إيرانية- عراقية ستُعقد على هامش الجمعية العامة وستضع أسس مواجهة الاستفتاء إذا اكتمل (للمزيد). ووسط إعلانات الرفض الإقليمية والدولية للاستفتاء، وبدء تركيا مناورات عسكرية قرب حدودها مع إقليم كردستان وتهديد إيران بقطع الحدود مع الإقليم، أصدرت «المحكمة الاتحادية العليا» في العراق أمس قراراً بوقف إجراءات الاستفتاء، بناء على طلب قدمه رئيس الوزراء حيدر العبادي. ولم يبد وفق الإعلانات الكردية، أن تكون هذه الضغوط غيرت تمسك بارزاني بموعد الاستفتاء، بل قرر بدء حملة ترويج جديدة في السليمانية غداً الأربعاء بعد حملة مشابهة في دهوك. وعلى رغم اصطفاف عدد من القوى السياسية الكردية مع بارزاني، إلا أن خريطة تلك القوى يمكن تمييزها بمستوى حماسة كل حزب للاستفتاء ورغبته في البحث عن حلول بديلة. وتبدو الحماسة أقل في السليمانية، التي تضم إضافة الى «الاتحاد الوطني الكردستاني» حركة «التغيير» وعدداً من القوى الإسلامية، وانضم إليها أخيراً تيار أعلنه القيادي المستقيل من «حزب طالباني» برهم صالح باسم «تحالف الديموقراطية والعدالة». وتذهب هذه القوى مجتمعة ومتفرقة إلى إمكان تأجيل الاستفتاء في مقابل ضمانات لكنها لا تريد منح حزب بارزاني حق استخدام الدفاع عن الحقوق الكردية كبطاقة انتخابية، فيما ترفض حركة «التغيير» الاستفتاء، وتطالب بعودة الحياة السياسية وإبعاد بارزاني (الذي لا تعترف بشرعية حكمه) من المشهد، ومن ثم التوجه إلى الاستفتاء. وبارزاني الذي يواجه هذه التعقيدات الداخلية، يقف بدوره، كما القوى الكردية الأخرى، أمام التهديدات الاقتصادية والعسكرية من دول الجوار ومن الحكومة العراقية ويأخذها على محمل الجد. وتكثر التكهنات عن احتمال قبول بارزاني في اللحظات الأخيرة خياراً طرحته الأممالمتحدة بتأجيل الاستفتاء وبدء حوار شامل مع الحكومة العراقية بإشراف مجلس الأمن الدولي، لكن حسابات سياسية داخلية قد تعيق توجهه إلى هذا الخيار أبرزها استخدام القوى المتحفظة تراجعَ بارزاني ورقةَ ضغط ضده وتقويض صورة زعامته أمام الأكراد، إضافة إلى عدم ثقته بطبيعة تعاطي الحكومة العراقية مع نوع كهذا من الحوارات وتنصلها في مناسبات سابقة من اتفاقات مشابهة. وبارزاني، وهو أحد أبناء زعيم الحركة الكردية الملا مصطفى بارزاني، يتهمه خصومه داخل إقليم كردستان بأنه حوَّل حكم الإقليم حكماً عائلياً، حيث سلم المؤسسات الأمنية والاقتصادية إلى أبنائه ورئاسة حكومة الإقليم الى ابن أخيه، ونفذ سياسات نفطية خاطئة وعقود شراكة غير منصفة مع شركات كبرى قادت مع انهيار أسعار النفط إلى أزمة اقتصادية كبيرة في الإقليم أدت إلى استقطاع مرتبات الموظفين تحت بند «الادخار الإجباري». وعلى رغم أن خيار التوجه إلى الاستفتاء في الإقليم وعدد من المناطق المتنازع عليها يعد خياراً «انتحارياً»، وفق بعض المراقبين داخل الإقليم، إلا أن بعض الأوساط السياسية تعتقد أن المواجهة حتى العسكرية منها ليست من دون ثمن، ويعتقدون أن حدوث مواجهة مع «الحشد الشعبي»، في كركوك أو تدخل عسكري إيراني أو تركي، قد يقود إلى تدخل دولي في النهاية لحماية الأكراد، عبر فرض الأمر الواقع والبدء بمفاوضات الانفصال والقبول الدولي به. وهذا السيناريو متصدع من جهات عدة، خصوصاً على مستوى سعي خصوم بارزاني داخل الإقليم قبل خارجه، إلى استثمار أي صراع عسكري أو حصار اقتصادي، للمطالبة بإطاحته وطرح أنفسهم بدلاء أقل تطرفاً للتفاوض باسم أكراد العراق. ووفق المعلومات المتضاربة المسربة من دوائر القرار المقربة من بارزاني، فإن ثمة مخرجاً للحل يشمل إجراء الاستفتاء داخل إقليم كردستان فقط وبعض المناطق التي تقع على حدود الخط الأزرق لحدود الإقليم، وفق قرارات الأممالمتحدة قبل العام 2003، مع إيقاف الاستفتاء في كركوك وسهل نينوى ومناطق أخرى، بما يضمن لبارزاني استخدام هذا الإنجاز ورقة انتخابية خلال الانتخابات الكردية المقررة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل من جهة، وانتزاع القبول بحل وسط من أميركا ودول الجوار لبدء الحوار مع بغداد من موقع أكثر قوة، وبعد تقليل نسب المعارضة الداخلية.