لماذا لم تأت «ثورة 17 فبراير» الليبية كسابقتيها في تونس ومصر؟ سؤال تكمن إجابته في اختلاف بنية النظام العسكري بين كل من مصر وتونس من ناحية وليبيا من ناحية أخرى، فحين خرجت الأمور عن السيطرة في البلدين الأوَّلَين، تدخلت المؤسسة العسكرية التي يمثّلها الجيش من أجل لجم الأوضاع والتضحية بالحاكم في مقابل الحفاظ على استقرار الوطن، لكن لا أحد في ليبيا يستطيع أن يحدد تعريفاً للمؤسسة العسكرية أو الجهة الحاكمة. ويبدي القادة العسكريون الذين التحقوا بالثورة في بنغازي شرق ليبيا، استياءً من تناول الإعلام لدور الجيش في الثورة، وهم يحرصون على توضيح أن الجيش «يدعم الثوار» وينضم إليهم في أي منطقة تندلع فيها احتجاجات، «ومن يَقتل الثوار هم من الكتائب الأمنية الموالية للقذافي... وهذه الكتائب غير تابعة للجيش». وقال مصدر عسكري إن الكتائب الأمنية عددها 12، سقط منها 5 حتى الآن، وغالبيتها مسماة بأسماء أبناء القذافي ورفقاء عمر المختار. وأوضح نائب قائد قاعدة بنينا الجوية في بنغازي المقدم الطيّار محمد ديناري ل «الحياة»، أن الجيشين المصري والتونسي حين أعلنا دعمهما مطالبَ الثورة انتهت المواجهات بين النظام والثوار ورحل حسني مبارك وزين العابدين بن علي «لكن في ليبيا الوضع مختلف، فالجيش مهمش أصلاً، وقوته لا تضاهي قوة الكتائب الأمنية التي أسسها القذافي لحماية حكمه»، مشيراً إلى أن هذه الكتائب لا تتبع قيادة الجيش المهمَّشة، وتسليحُها أكثر تطوراً من تسليح الجيش. ويضيف: «القذافي ظل سنوات يحشد لحماية نفسه من انقلاب عسكري عبر تعزيز هذه الروابط بين نظامه وبين هذه الكتائب وتقويتها (...). أما القول بأن الجيش الليبي يواجه الثوار، فهذا أمر مغلوط». الأمر ذاته يتحدث عنه الملازم أول الطيار عطية عمر المنصوري، الذي قال ل «الحياة» إنه «منذ انشقاق مجلس قيادة الثورة في العام 1975، بعد أن انفرد القذافي و4 أعضاء آخرين بالسلطة، وأزاح الستة الباقين، ونفّذ حكم الإعدام في 22 ضابطاً في العام 1977، وسجن مئات الضباط وكنت واحداً منهم، خطَّطَ القذافي لتحييد الجيش النظامي، وشكّل ما يسمى الجيش الشعبي، إذ جند الشباب في كتائب شعبية حوَّلَها إلى ميليشيات عسكرية لا عقيدة لها، واستعان فيها بالمرتزقة الأفارقة لتدعيمها». وتابع أن القذافي حوّل القوات المسلحة إلى مجرد «تكديس للرتب العسكرية العليا، حيث تنعدم الطبقة الوسطى للجيش، وهي العمود الفقري لأي جيش نظامي، واعتمد في المقابل على بناء الكتائب الأمنية التي تؤمِّن الولاء والسيطرة على المدن، وهي مجهَّزة ومدربة للقمع وليس للدفاع عن الوطن، وهذا ما يحدث الآن». وأوضح أن هذه الكتائب مسلحة بشكل أكثر تطوراً من الجيش الذي تهالكت آلياته. وقال إنه بالنسبة إلى سلاح الطيران، فإن القذافي «حرص على جمعه في المناطق الموالية له، مثل سرت وفزان وقاعدة معيتيقة قرب طرابلس... ولكن أزمته في الطيارين الذين تمرد غالبيتهم، غير أنه استطاع تأمين شراء طيارين أجانب بالمال، فضلاً عن الطيارين من عائلته». وقال: «وجود هذه الكتائب الأمنية حوّل الثورة الليبية إلى حرب بينها من جهة وبين الثوار والجيش من جهة أخرى»، مشيراً إلى أن عدد هذه الكتائب يبلغ 12 كتيبة تتركز غالبيتها في طرابلس و «استطاع الثوار تدمير 5 منها». ويقول المقدم في سلاح الدفاع الجوي الليبي مفتاح مؤمن موسى ل «الحياة»: «لا تحمّلوا الجيش ما لا طاقة له به. القذافي دمّر الجيش الوطني، فلا سلاح، ولا وحدات مدربة، ولا آليات حديثة (...) هذه مشكلة ليبيا، ولو أن هناك جيشاً مسلحاً ومدرباً بشكل نظامي عسكري لكنا قضينا على الكتائب الأمنية في أيام، لكنها عسكرياً أقوى منا عدداً وعتاداً، غير أننا نعوّل على الروح القتالية، فنحن نقاتل لهدف ومستعدون للشهادة من أجل تحقيقه، أما هم، فلا عقيدة لهم، هم مجرد مرتزقة يقاتلون من أجل المال». ولفت إلى أن رواتب وامتيازات منتسبي الجيش أكبر بكثير من نظيرتها في القوات المسلحة. وأوضح موسى أن أقوى هذه الكتائب هي كتيبة محمد المقريف في سرت، لافتاً إلى أن الجحفل 82 وآمره خميس معمر القذافي يضم سلاحاً جوياً ومدرعات ووحدة دبابات وكتائب مشاة، وهو أيضاً لا يخضع لقيادة الجيش. وقال إن هناك أسراباً من الطيران تتبع القذافي مباشرة، وربط قادتها بمصالح عدة مع النظام. وأضاف: «هو يعتبر أن الكتائب الأمنية هي حمايته الفعلية، ما يفسر أنه يحتفظ داخل مقر كل كتيبة بمنزل له، فهو لا يأمن على نفسه إلا وسط مرتزقته، أما الجيش، فقد همَّشه من اللحظة الأولى خشيةَ إطاحته عبر انقلاب عسكري كالذي قاده».