يوم الأربعاء قبل الماضي كان يوم المواطن والاقتصاد السعوديين بامتياز، حينما استبق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز هبوط طائرته في الرياض بإصدار 13 أمراً ملكياً، تنوعت في صياغتها، ومبالغها، واتفقت على هدف واحد هو رخاء ورفاهية المواطن السعودي، خصوصاً الطبقة الأقل راتباً ودخلاً من السعوديين. واختصاراً، فإن مشكلة الإسكان حظيت بالجزء الأكبر من الدعم بتخصيص 40 بليون ريال لدعم صندوق التنمية السعودي، و15 بليون ريال لدعم هيئة الإسكان. ولا شك أن هذا الدعم كان مطلوباً نظراً إلى حجم المشكلة، إذ لا يتوافر غالبية المواطنين على سكن بحسب الدراسات وواقع الناس المعاش. وهنا نقاط عدة تجب الإشارة إليها، أولاً: كان التخوّف من مماطلة وزارة المالية كعادتها في قرارات سابقة من الالتزام بتأمين المبالغ التي أمر بها الملك فوراً وحالاً، وتساءل عن ذلك أستاذنا الكاتب عبدالله الفوزان في مقالة له نشرتها «الوطن» هذا الأسبوع. ولكن يبدو أن وزارة المالية جاءها توجيه بالإسراع في تأمين المبالغ التي صدرت بها القرارات، وأعلن وزير المالية إبراهيم العساف في كلمته في ملتقى الاقتصاد السعودي الثلثاء الماضي أن «وزارة المالية أمنّت كامل المبالغ الخاصة بالأوامر الملكية التي صدرت أخيراً وتحويلها للجهات المستفيدة من الدعم» بحسب ما نشرت الصحف الأربعاء الماضي. إذاً انتهينا من النقطة الأكثر تعقيداً وأهمية وهي توفير المال اللازم لتنفيذ القرارات. النقطة الأخرى أنه في ما يخص الإسكان، فقد تزامن أمر خادم الحرمين الشريفين بدعم الصندوق والهيئة، مع تصريح مهم من وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب، يقول الخبر: «بشّر وزير الشؤون البلدية والقروية الأمير منصور بن متعب، المواطنين بأن الحكومة ستسعى لتوفير أراضٍ حكومية بأسعار مخفضة في ظل ارتفاع أسعار الأراضي حالياً». ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو كيف؟ ومتى؟ وهل هناك أنسب من هذا التوقيت الذي دعم فيه الصندوق والهيئة لتوفير هذه الأراضي الرخيصة؟ لعله من البديهي أن دعم الصندوق وصرف القروض العقارية سيشعلان نار الأراضي زيادة على اشتعالها الحالي الذي يعترف الوزير به بلسانه. فلماذا التأخر في توفير هذه الأراضي الرخيصة ومتى سيتم بيعها للمواطن؟ أنا على يقين أن كل من جاء دوره في صندوق التنمية العقاري سيؤجل قرضه انتظاراً لوعد وزير البلدية، فالأراضي حالياً لا يمكن للمواطن شراؤها ولو اقترض على قرض الصندوق قرضاً آخر مثله لما كفت قيمة للأرض، فكيف والقرض لن يصرف إلا حينما يبدأ المواطن بالبناء، وهو ما يعني أنه يمتلك الأرض، وهو افتراض لا يصح مع الأسعار الحالية للأراضي، وعدم قدرة الكثير من المواطنين على تملكها. الإجابة لدى الأمير متعب ونحن بانتظار موعده. من الملاحظ أيضاً على قرارات الأربعاء أنها جاءت لتدعيم القروض سواء العقار أم التسليف، وهو ما يعني أن هذه المبالغ مستردة على المدى الزمني المنظور، وسيعاد تدويرها في الاقتصاد أكثر من مرة، فالمقترض سيسدد سنوياً، وهذا السداد سيقرض الى مواطن آخر وهكذا، وهذا شيء جيد للاقتصاد على المستوى الكلي في السنوات المقبلة. من أوامر الأربعاء أيضاً تثبيت ال15 في المئة بدل الغلاء لتكون راتباً أساسياً، وهذا مفيد للمواطن في تقاعده، وفي اقتراضه الحالي، إذ سيحصل على قروض أكبر لارتفاع دخله بنسبة 15 في المئة. وأما توفير 1200 وظيفة لدعم الجهات الرقابية، ودعم تواصل خادم الحرمين الشريفين بمواطنيه وتوظيف 300 مواطن لهذا الغرض، فهو أمر رائع، وإن كنت أتمنى أن يتم تعيين هؤلاء الموظفين من جميع أنحاء المملكة لتكون كل مجموعة ممثلة لمنطقة أو حيّز جغرافي، وحتى لا تذهب هذه الوظائف لأبناء وحاشية موظفي الديوان الملكي، مما يقلل الفائدة من استحداث هذه الوظائف. وأختم بملاحظة مهمة، وهي أن كل هذه الأوامر جاءت لتصب مباشرة في جيب المواطن، سواء المقترض للسكن أو من بنك التسليف، أو تثبيت بدل الغلاء، ومثلها تعيين 90 ألف معلم ممن كانوا على البند، و120 ألف موظف وموظفة على بند الأجور، أو إلحاق الدارسين بالبعثات، أو زيادة البدلات والعلاوات، فالملاحظ أنها جميعها جاءت لجيب المواطن مباشرة وبتفسير واضح، وهو ما يجنبها قبضة الأيدي الفاسدة ويجعلها بعيداً عن الاستفادة المباشرة من هذه الزيادات والقروض، وهو أذكى وأهم ما يلاحظ على أوامر وقرارات خادم الحرمين الشريفين. * اقتصادي سعودي مقيم في بريطانيا. www.rubbian.com