بأداء الدكتور عصام شرف أمس اليمين الدستورية رئيساً لحكومة «ائتلاف وطني»، وإعلان حركة تغييرات وشيكة في صفوف المحافظين والمؤسسات الحكومية، لا سيما الصحافية، تستهدف إبعاد المقربين من الرئيس السابق حسني مبارك، دخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها السياسي عنوانها الانصياع لصوت الشارع وطي صفحة النظام السابق. وأعلن أمس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم قبول استقالة الفريق أحمد شفيق من رئاسة الحكومة وتكليف شرف تشكيل الحكومة الجديدة. وجاء إعلان قبول الاستقالة عقب اجتماع عقد صباح أمس في مقر رئاسة الوزراء في وسط القاهرة، وسط توقعات بأن يتم الإبقاء على غالبية الوزراء الذين تم تعيينهم الأسبوع الماضي، على أن يخرج من التشكيل الجديد المتوقع إعلانه خلال ساعات وزراء الخارجية أحمد أبو الغيط والداخلية اللواء محمود وجدي والعدل ممدوح مرعي والكهرباء حسن يونس والإنتاج الحربي سيد مشعل. وكشفت مصادر مطلعة ل «الحياة» أن «تغييرات واسعة سيتم الإعلان عنها خلال أيام تستهدف المحافظين وعدداً من مديري المؤسسات الحكومية والصحافية والإعلامية». وأشارت إلى أن «التغييرات سيتم إعلانها عقب الانتهاء من تشكيل شرف الحكومة الجديدة وأدائها اليمين الدستورية». وكان مجلس الوزراء أعلن أمس قبول المجلس العسكري استقالة رئيس مجلس إدارة «دار الهلال» الصحافية القومية ورئيس مجلس إدارة «دار التحرير» ورئيس تحرير جريدة «الجمهورية». وأوضح الناطق باسم الحكومة الدكتور مجدي راضي أن الثلاثة كانوا تقدموا باستقالاتهم إلى رئيس الحكومة الأسبوع الماضي وأحالها الأخير على المجلس العسكري للبت فيها. وشهدت الأيام الماضية نشاطاً من جانب المجلس العسكري لاستباق حركة الشارع، عكس ما كان يحدث في الفترة السابقة. وإزاء تلك الخطوات دعت قوى سياسية إلى تعليق تظاهرات مليونية دعا إليها شباب اليوم الجمعة تحت مسمى «جمعة التطهير والإصرار» قبل أن يتم تغيير اسمها عقب إطاحة شفيق إلى «جمعة حلف اليمين». وشهد ميدان التحرير أمس احتفالات باستقالة الحكومة وتكليف شرف ترددت خلالها هتافات مثل «الشعب والجيش إيد واحدة». وقررت «الجمعية الوطنية للتغيير» و «البرلمان الشعبي» الذي يضم نواباً سابقين و «جبهة دعم الثورة» تعليق تظاهرات الجمعة «تقديراً لقرار الجيش إقالة شفيق»، غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» و «حركة شباب 6 أبريل» أصرتا على النزول إلى الميدان للاحتفال والتعبير عن التضامن مع قرارات الجيش التي تعبر عن مطالب الشارع. ورحب المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي بإطاحة حكومة شفيق. وقال في صفحته على موقع «تويتر»: «سقط النظام البائد بسقوط مبارك وحكومته. نحن على الطريق السليم. خالص تقديري للمجلس الأعلى للقوات المسلحة على الاستجابة لمطلب الشعب». وأضاف: «من الغد نبدأ معاً مرحلة البناء في المدارس والجامعات والمصانع والمؤسسات. كلنا نعمل من أجل مصر». واعتبر المنسق العام ل «الجمعية الوطنية للتغيير» عبدالجليل مصطفى أن قرارات الجيش الأخيرة «خطوة مقدرة وتمثل استجابة لمطالب الشعب». وقال ل «الحياة»: «نأمل في أن يحقق تشكيل الحكومة الجديدة تطلعاتنا في اختيار نخبة من الوزراء الأكفاء»، داعياً القوى السياسية إلى تعليق تظاهراتها تقديراً لقرار المجلس العسكري. وأضاف: «لا بد من أن نشعر الجيش بأننا نقدر قراراته»، معتبراً أن «النزول إلى ميدان التحرير في تظاهرات جديدة أمر بات ممكناً في أي وقت»، لكنه رأى «صعوبة في استجابة كل القوى السياسية لتلك الدعوة (تعليق التظاهر)، لافتاً إلى أن «القوى السياسية في مصر تنتظر أن يتبع هذا القرار استجابة لبقية مطالب الثورة ومن بينها حل جهاز مباحث أمن الدولة والإفراج عن المعتقلين السياسيين». في المقابل أكد الناشط في حركة «6 أبريل» باسم فتحي اشتراك حركته في «جمعة حلف اليمين»، مشيراً إلى أن التظاهرة ستكون احتفالية «خصوصاً أن معلومات وصلتنا بأن رئيس الحكومة الجديدة عصام شرف سيكون في الميدان» اليوم. لكنه أكد أن «فكرة الاعتصام باتت غير مطروحة بعد قرار الجيش الأخير، فمطالب الثوار الآن باتت تتركز في خطوات يتخذها وزير الداخلية الجديد وعلى رأسها حل جهاز مباحث أمن الدولة». وأشار الناطق باسم «الإخوان» الدكتور محمد مرسي إلى أن نزول أعضاء جماعته إلى الميدان سيكون «تعبيراً عن التضامن مع قرارات الجيش وتأكيد أن تلك القرارات جاءت استجابة للمطالب الشعبية... ونرجو أن يكون تشكيل الحكومة الجديدة يعبر عن الشارع». وقال: «نحيي الجيش على قرار إقالة حكومة شفيق، هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن ما زالت لدينا مطالب أخرى في مقدمها حل جهاز مباحث أمن الدولة وإطلاق سراح المعتقلين وحل الحزب الوطني ومحاكمة قياداته التي أفسدت الحياة السياسية». وأعلن «مجلس أمناء الثورة» ترحيبه باستقالة الحكومة، وأبدى ثقته في رئيس الوزراء المكلف، مؤكداً «استعداد شباب الثورة التام لتقديم الدعم للحكومة الجديدة، بهدف عودة الاستقرار سريعاً إلى البلاد». وطالب شرف بالاستعانة «بذوي الخبرة والمستقلين وعدم الاستعانة بأي من وجوه النظام السابق»، لكنه أعلن مشاركته في مليونية الجمعة من دون اعتصام «للمطالبة بجدول زمني لتحقيق باقي المطالب». الخطوة نفسها اتخذها «ائتلاف شباب الثورة» الذي أعلن تعليقه الاعتصام الذي كان ينوي البدء فيه مساء اليوم ووقف المسيرات من مناطق متعددة إلى ميدان التحرير، «والاكتفاء بتظاهرة كبيرة في ميدان التحرير احتفالاً بالانتصار الجديد للثورة، مع دعوة الدكتور عصام شرف للمشاركة في تظاهرة الميدان». ووجه الائتلاف في بيان الشكر إلى القوات المسلحة على قبول استقالة شفيق وتكليف شرف تشكيل الحكومة، معتبراً ذلك «استجابة لمطلب إسقاط النظام». ودعا رئيس الحكومة الجديدة إلى «تشكيل حكومة تكنوقراط وطنية بالتشاور مع القوى الوطنية والشبابية والمجتمعية، بحيث تخلو من أي أسماء تنتمي إلى النظام السابق بسياساته وأشخاصه وحزبه». وطالب شرف ب «ضرورة تحديد جدول زمني لتنفيذ باقي المطالب، وهي حل جهاز أمن الدولة، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية برئاسة وزير مدني، والإفراج الكامل عن المعتقلين السياسيين، والمحاكمة العاجلة والعلنية لكل من أصدر أو نفذ أمراً باستخدام العنف وإطلاق النار ضد الثوار، واستكمال ملاحقة الفاسدين». وأكد ترحيبه بالمساهمة بأي أدوار يمكنه المساهمة فيها مع الحكومة الجديدة بعد تشكيلها «وفي إطار التزامها باستكمال أهداف الثورة، بما يحقق استعادة الهدوء للأوضاع الأمنية والاقتصادية للوطن». في غضون ذلك، التقى الرئيس التركي عبدالله غُل رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي وعدداً من قيادات المعارضة والناشطين الشباب، خلال زيارة رسمية قصيرة للقاهرة أمس بدعوة من المجلس العسكري. وشدد غُل على دعم بلاده التحول الديموقراطي في مصر، مشيراً إلى أن «الجيش لديه رغبة في الانتقال نحو نظام ديموقراطي». وأقيمت للرئيس التركي مراسم الاستقبال الرسمية في مقر الأمانة العامة للقوات المسلحة. وتبادل مع طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان وجهات النظر في شأن المرحلة الانتقالية. وأكد عمق العلاقات المصرية - التركية، مشيراً إلى «رغبة تركيا في أن تخرج مصر من هذه المرحلة أكثر قوة، ويصل الشعب المصري إلى النظام الديموقراطي القائم على سيادة القانون». وقال غُل للصحافيين بعد اللقاء إن «المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكد مجدداً رغبته في تأمين انتقال نحو الديموقراطية». وأضاف: «لا يكفي أن يكون هناك جيش قوي، بل لا بد كذلك من نظام سياسي قوي وقاعدة اقتصادية سليمة». ودعا إلى «مرحلة انتقالية شفافة ومنفتحة». وبعد اللقاء الرسمي، اجتمع غُل مع عدد من قادة المعارضة، بينهم مرشد «الإخوان» محمد بديع وعدد من قيادات جماعته، إضافة إلى رئيس حزب «الوفد» الليبرالي السيد البدوي وزعيم حزب «الغد» أيمن نور، قبل أن يعقد لقاء مع عدد من الناشطين الشباب، أشاد خلاله بالجيش وبدور الإعلام الجديد في الثورة. في غضون ذلك، نفى النائب العام ما أوردته تقارير صحافية عن وجود الرئيس السابق وأفراد عائلته خارج البلاد، على رغم صدور قرار منعهم من السفر. وأكد النائب العام المساعد الناطق باسم النيابة العامة المستشار عادل السعيد «عدم صحة تلك التقارير جملة وتفصيلاً». وأشار إلى أن «النيابة العامة تلقت إخطاراً من مصلحة الشهر العقاري يفيد بأن أحد الموثقين توجه الأربعاء إلى الرئيس السابق مبارك وأفراد أسرته في مقر إقامتهم في مدينة شرم الشيخ، بناء على طلبهم، وقاموا جميعاً بالتوقيع شخصياً على توكيلات منهم لأحد المحامين للدفاع عنهم». وكان النائب العام أصدر قراراً في 28 شباط (فبراير) الماضي بمنع مبارك وزوجته سوزان ثابت، ونجليه علاء وجمال وزوجتيهما وأولادهم القصر من مغادرة البلاد، وتم إخطار كل الجهات الأمنية المختصة لتنفيذ القرار فوراً. وأصدر رئيس هيئة النيابة الإدارية قراراً بتشكيل فريق من محققي النيابة الإدارية، لمباشرة التحقيقات في اتهامات لرجل الأعمال الشهير حسين سالم القريب من مبارك، بالاستيلاء على أراضٍ في محافظة جنوبسيناء. واستمرت أمس التظاهرات الفئوية التي تعد أول تحدٍ يواجه الحكومة الجديد، وقطع معاقون محتجون على أوضاعهم شارع القصر العيني المواجه لمقر رئاسة مجلس الوزراء والبرلمان، كما شهدت مدينة العريش في شمال سيناء تظاهرات عدة للمطالبة بتغيير قيادات في الشرطة، فيما اعتصم العاملون في منفذ طابا البري اعتراضاً على سوء أوضاع عملهم. إلى ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر طبية أن عدد قتلى تمرد سجن في مدينة دمنهور شمال البلاد ارتفع أمس إلى أربعة بوصول جثة من السجن إلى مشرحة مستشفى، إضافة إلى سقوط 11 جريحاً، أحدهم حالته حرجة. ونقل مصدر طبي عن بعض المصابين أن النزلاء تمردوا بسبب عودة رئيس مباحث السجن سامي زيتون الذي كان يعاملهم بقسوة إلى عمله. وأشار سجناء إلى أن سلطات السجن لم تقدم لهم أطعمة أو أدوية أمس. وقالوا إن هناك جرحى لم ينقلوا إلى المستشفى، لكن مصدراً أمنياً نفى وجود جرحى في السجن. ويصل عدد نزلاء سجن دمنهور العام إلى 3200 سجين. وأعلنت إصابة القيادي في «جماعة الجهاد» عبود الزمر برصاصة في كف يده أول من أمس، قبل أن يُنقل إلى سجن المزرعة جنوبالقاهرة.