نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«اكتوبر» ايزنشتاين: انقلاب عسكري خلف قناع الثورة الشعبية
نشر في الحياة يوم 04 - 03 - 2011

هل كانت الفكرة من سيرغاي ايزنشتاين، أم ان مفوضية الدولة لشؤون الدعاية هي من كلّفه بتنفيذها؟ مهما يكن من أمر الإجابة عن هذا السؤال، فإن النتيجة كانت واحداً من اهم الأفلام السياسية في تاريخ الفن السابع. وهذه النتيجة هي فيلم «اكتوبر» الذي حين عرض في الغرب جرى ذلك أول الأمر تحت عنوان «عشرة أيام هزت العالم»، وذلك ببساطة لأن جزءاً من أحداثه «اقتبس» من بعض فصول الكتاب الشهير بالاسم نفسه للثوري الأميركي جون ريد، الذي عاصر الثورة الروسية (ثورة «اكتوبر») وساهم فيها ودفن حين مات الى جوار لينين عند أسوار الكرملين. وأيزنشتاين حقق فيلمه، أساساً، احتفالاً بالذكرى العاشرة لانتصار الثورة البولشفية. وعرض الفيلم يومها - عروضاً رسمية خاصة - يوم ذكرى الثورة تماماً، لكنه لم يعرض على الملأ إلا بعد ذلك بخمسة اشهر... إذ اضطر لانتظار مناقشات الرقابة السياسية من حوله.
حينما كتب ايزنشتاين السيناريو الذي سيتحول ليصبح هذا الفيلم، كان يعرف طبعاً ان كل الإمكانات ستوضع في تصرفه: أموال، قوى بشرية، معدّات، وثائق تاريخية، فنّيون. بل سيفاجأ عند التصوير، حين احتاج الى إنارة أضواء ساطعة فوق «قصر الشتاء» في لينينغراد (بطرسبورغ سابقاً ولاحقاً)، بأن أهل المدينة استغنوا عن الإضاءة في بيوتهم لكي يوفروا لتصوير الفيلم ما يحتاج اليه من طاقة. اذاً، كل شيء وضع في تصرف ايزنشتاين. ولكن ليس الشيء الأساسي. والشيء الأساسي كان ألوف الأمتار من شرائط كانت بالفعل صوّرت الهجوم على قصر الشتاء يوم الثورة وجرى الاحتفاظ بها أو بالأحرى التحفظ عليها. فالسلطات الستالينية رفضت وضع الشرائط في تصرف الفيلم، ما اجبر ايزنشتاين على إعادة خلق مشاهد الهجوم. صحيح ان هذا لم يكن صعباً طالما ان سكان لينينغراد وعمالها ومثقفيها، كانوا اعتادوا تمثيل مشهد الهجوم كل مرة تحل فيها ذكراه، كنوع من الاحتفال والاستذكار، ومع هذا يبقى السؤال قائماً: لماذا رفضت السلطات استخدام الشرائط الحقيقية؟ لقد ظل هذا السؤال مطروحاً، حتى جاء مؤرخ وباحث في تاريخ السينما فرنسي، هو مارك فيرو ليؤكد في محاضرة له خلال سنوات السبعين ان السبب بسيط وخطير في الوقت نفسه: ذلك ان الشرائط تثبت، بما لا يدع اي مجال للشك، ومن خلال دراستها بدقة، ان الجموع التي هاجمت قصر الشتاء في خريف عام 1917، لم تكن «جموع العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين» كما اعتادت الدعاية والأدبيات الشيوعية ان تقول، بل قوات عسكرية. ما يعني ان ما حدث كان انقلاباً عسكرياً على كيرنسكي وحكومته، وليس ثورة شعبية. والحال ان دراسات تاريخية لاحقة وكثيرة نحت الى تأكيد هذا، فيما ظل كثر ينفونه. ولربما يكون «أكتوبر» في هذا الإطار شاهداً تاريخياً - سلبياً - على هذه «الحقيقة». بل كذلك شاهداً على نموذج حيّ وفعّال من نماذج التلاعب بالصورة، علماً أن هذا التلاعب الذي شغل مؤلفات ودراسات عدة طوال الربع الأخير من القرن العشرين صوّر دائماً على انه ممارسة محض ستالينية قبل ان يرى الجميع انه انما كان ولا يزال ممارسة عامة، ما افقد الصورة في شكل إجمالي جزءاً كبيراً مما كانت تتمتع به من صدقية، بيد ان هذا موضوع ليس هو بيت قصيدنا هنا. بيت القصيد هنا هو فيلم «اكتوبر» نفسه بصرف النظر عمّا اذا كان قد جرى التلاعب بصورته ام لا.
ذلك ان حكاية التلاعب هذه لا يمكن ان تنقص من قيمة الفيلم شيئاً. بل ان مشهد الهجوم على القصر، والذي «مثّله» ألوف العمال والمواطنين والجنود السوفيات، يظل واحداً من اجمل وأروع مشاهد الفيلم. وقد أتى من الواقعية بحيث ان قلة من الناس يمكنها ان تخمّن انه «تمثيل في تمثيل». بل إن أفلاماً عدة حققت لاحقاً، استعانت بتلك المشاهد، لعدم تمكنها - هي الأخرى - من الحصول على الشرائط الحقيقية.
لكن تلك المشاهد ليست كل ما في «اكتوبر». فالفيلم، يروي الكثير من الأحداث. وهو لئن كان يروي معظم تلك الأحداث في أسلوب يبدو تسجيلياً وثائقياً - وهو ليس كذلك بالطبع - فإنه في الوقت نفسه يبدو مستجيباً تماما نظريات مخرجه ايزنشتاين حول التوليف الذي يجعل الصورة قادرة على اتخاذ دلالة أخرى غير دلالتها المباشرة، إن هي مزجت بصورة اخرى. والمثال الأبسط على هذا، في «اكتوبر» بالذات، صورة لكيرنسكي تليها صورة لطاووس. في بادئ الأمر تبدو العلاقة بين الصورتين غير مفهومة، ولكن اذا تذكرنا هنا كيف كان لينين، زعيم الثورة البولشفية، يصف كيرنسكي بأنه «طاووس مذهّب» فسيمكننا ان نفهم دلالة الربط بين الصورتين. ومهما يكن من الأمر، فإن الإكثار من مثل هذه المقاربات جعل الكثير من طروحات الفيلم عصيّة على الفهم بالنسبة الى كثر قد لا يعرفون شيئاً عن خلفيات الأحداث والشخصيات والمواقف، غير ان هذا لم يكن مهماً حقاً في ذلك الحين. ما كان مهما هو قدرة ايزنشتاين وعدد كبير من المساعدين والفنيين الذين عملوا معه، على تقديم صورة مفعمة بالحيوية والحياة، لتلك الأيام الحاسمة من التاريخ الروسي. ومن الواضح ان غاية ايزنشتاين منذ البداية كانت التعبير، في شكل ضخم واحتفالي، عن كل السمات التي طبعت ايام الثورة البروليتارية تلك، من تحضيرات ومسار وصولاً حتى النصر النهائي، غير ان الظروف لم تسمح بذلك كله، ومن هنا اكتفى الفيلم بأن يصوّر الأحداث التي جرت في بيتروغراد (وهو الاسم الذي دعيت به المدينة في ذلك الحين) خلال الفترة بين شباط (فبراير) - الثورة البورجوازية التي قادها كيرنسكي - وتشرين الأول (أكتوبر) - الثورة البولشفية - من عام 1917.
والفيلم الذي سعى الى وصف تلك الأحداث كلها من دون أي حوارات، إذ لم تكن السينما الناطقة اخترعت بعد، استخدم عدداً من لوحات العناوين لتحديد الأحداث ومواقع الشخصيات. أما المشاهد الأشهر، والتي ظلت في أذهان ملايين المتفرجين حتى بعدما نسي الفيلم على مر الزمن، كأحداث تفصيلية، فأبرزها على سبيل المثال مشهد إطلاق النار على التظاهرات العمالية في تموز (يوليو) من قوات الحكومة الموقتة، ومشهد لينين فوق عربة مدرعة وهو يخطب في اجتماع المحطة، ثم الاجتماع بالقرب من سمولني، وخصوصاً طلقات التحذير التي أطلقتها السفينة «اورورا»، إضافة الى المشهد الأشهر، مشهد الاستيلاء على قصر الشتاء، وأخيراً خطاب لينين أمام المؤتمر الثاني للسوفيات.
ولنذكر أخيراً، هنا، ان ايزنشتاين أصر منذ البداية على عدم استخدام اي ممثلين محترفين في الفيلم، وهكذا، مثلاً، جيء بعامل ليلعب دور لينين، وساهم آخرون في أدوار أخرى، بل إن مصور الفيلم ادوارد تيسيه لعب دوراً في الفيلم أيضاً. أما ايزنشتاين فإنه استخدم إنجازه لهذا الفيلم، لكي يختبر فيه كل تجاربه الفنية والشكلية في مجال الكادر والتوليف، ومعظم تلك التجارب كان ناجحاً. وعلى رغم هذا كله - وربما بسببه كذلك - احدث الفيلم خيبة أمل في الكثير من الأوساط الثقافية والسياسية في الاتحاد السوفياتي، وهذا ما يفسر تأجيل عرضه العام، اشهراً عدة. و «أكتوبر» هو واحد من أفلام قليلة حققها سيرغاي ايزنشتاين (1898-1948) احد كبار فناني السينما في تاريخ هذا الفن، ومبتكر الكثير من الأساليب الفنية والذي أضفى على فن المونتاج (التوليف) أبعاداً لم تكن متوقعة في زمنه. ومن افلام ايزنشتاين الأخرى: «الدارعة بوتومكين» و «الإضراب» و «الكسندر نيفسكي» و«ايفان الرهيب».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.