هيمنت الاضطرابات التي يشهدها عدد من الدول العربية والأحداث السياسية فيها على مناقشات الملتقى الاقتصادي السعودي في ختام أعماله في الرياض أمس، وتأثيرها في اقتصادات المنطقةوخلال الجلسة الأولى التي أدارها الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله القويز، وتركز الحديث على التطورات الأخيرة الجارية في المنطقة، وقال رئيس دويتشه بنك في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الدكتور هنري عزّام: «هذه التحركات تعود بشكل رئيسي إلى عدم قدرة الفئات الشبابية ذات النسبة العالية في المجتمع العربي على الانخراط في سوق العمل وارتفاع نسب البطالة فيها إلى مستويات كبيرة، وصلت إلى 45 في المئة في بعض البلدان». وأضاف: «تمر المنطقة بمرحلة انتقالية ستؤدي إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي لتصل في بعض الدول إلى مستويات سالبة، وستمتد لأشهر وربما لسنوات مقبلة»، معتبراً أن المنطقة تعيش مرحلة غير واضحة»، موضحاً أن «إغلاق البورصة المصرية لفترة تزيد على شهر هو أحد أهم المؤشرات على حال عدم اليقين التي تسود المنطقة في الوقت الراهن، ولهذا السبب نلاحظ خروج عدد من المحافظ الاستثمارية من الأسواق العربية، خصوصاً الأجنبية منها». من جهته، أشار نائب الرئيس في شركة بوز آند كومباني الدكتور جهاد أزعور إلى أن «المتغيرات الراهنة تدفع اقتصادات المنطقة نحو تحقيق أكبر للعدالة الاجتماعية»، موضحاً أن «سلسلة إجراءات اتخذت في عدد من حكومات المنطقة لتدعيم الاستقرار في اقتصاداتها»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «هذه الإجراءات تبقى ناقصة ما لم تقترن بآليات دعم اجتماعي لتصيب الشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع، على ألا تكون لها ارتدادات تضخمية». وأشار إلى أنه على رغم أن حجم المتغيرات في المنطقة كبير، إلا أن تأثيرها في الأسواق ما زال محدوداً». وشدد الأزعر على «ضرورة مراقبة التضخم والسيطرة عليه، من خلال إعداد أجندة قصيرة المدى وتضم مجموعة عوامل أبرزها: تعزيز الحوكمة، خلق فرص عمل تستوعب أعداد البطالة المرتفعة، بناء عقد اجتماعي جديد يحدد بوضوح علاقات أطراف العمل بعضها ببعض، إضافة إلى استكمال الإصلاحات البنيوية في المنطقة وتعزيز تكاملها الاقتصادي». أما مدير وكبير الاقتصاديين في شركة باركليز الشرق الأوسط وأفريقيا عليا مبّيض، فأشارت في كلمتها إلى مجموعة عوامل تستقطب اهتمام المستثمرين في المنطقة العربية إضافة إلى التطورات الأخيرة، وقالت إن من أبرز هذه العوامل التعددية التي تتمتع بها المنطقة، ارتفاع مستوى التنمية البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة الفوائض المالية التي تتمتع بها، في مقابل تدنيها في الدول العربية الأخرى، إذ زادت نسبة الفقر في البعض منها ثلاثة أضعاف. ولم تخفِ مبيّض القلق من أن يؤدي الإنفاق الحكومي المتزايد في المنطقة، خصوصاً في المملكة العربية السعودية إلى صعوبة في إدارة السيولة في أسواق المنطقة، لافتة إلى أن ما يقوم به المستثمرون في الوقت الراهن هو إعادة تقويم للمخاطر على مستوى المنطقة ليبنوا قراراتهم المستقبلية. وعلى عكس بقية المتحدثين، اعتبر رئيس مجموعة الزامل الدكتور عبدالرحمن الزامل أن «ما يجري الآن من تطورات له بالتأكيد تأثيرات سلبية على المدى القصير لا تتخطى 12 شهراً، ولكن ذلك ستكون له انعكاسات إيجابية جداً على المستقبل». وشدّد على «ضرورة بقاء أسعار النفط فوق ال100 دولار، للحفاظ على معدلات نمو قوية»، مؤكداً أن «المرحلة المقبلة ستشهد دوراً أكبر للدولة في تحريك الاقتصاد المحلي، وانحسار نسبة الفساد، وتراجع دور الشركات العملاقة لمصلحة الشركات الصغيرة والمتوسطة»، مبدياً تفاؤله في أن «ما يجري حالياً في المنطقة هو شبيه إلى حد كبير بالتجربة التركية الرائدة». أما الجلسة الثانية فحملت هذه الجلسة عنوان «الصناعة المصرفية في السعودية والمنطقة وتحديات المرحلة المقبلة»، وتحدث فيها كل من الرئيس التنفيذي لمصرف الإنماء عبدالمحسن الفارس، ونائب أول الرئيس التنفيذي رئيس قطاع الشركات في البنك الأهلي التجاري الشريف خالد بن مالك آل غالب، والرئيس التنفيذي لبنك الخليج الدولي الدكتور يحيا اليحيا. وقدم الفارس ورقة عمل تناولت آفاق القطاع المصرفي السعودي، مشيراً فيها إلى نجاح المصارف السعودية على رغم الأزمة وخلال عامي 2009 و2010 في المثابرة على تنمية محافظها للإقراض والتسليف وإن بمستويات أقل من السابق، وترافق ذلك مع ارتفاع ملفت في حجم الودائع المصرفية، من شأنه أن يدفع المصارف خلال الفترة المقبلة إلى ضخ الفائض من السيولة لديها في السوق عبر تعزيز نشاطها التمويلي. ولفت الفارس إلى أن محركات العمل المصرفي في المملكة للمرحلة المقبلة تكمن في مجال دعم مشاريع البنية التحتية، والتمويل السكني، وتمويل الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم، إضافة إلى تمويل الشركات، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نسبة التمويل الممنوح لكبرى الشركات السعودية إلى حجم الاستثمار،لا يزال دون المعدلات العالمية، إضافة إلى الفرص الزاخرة في مجال تطوير وابتكار المنتجات، وتطوير نشاط التمويل عبر أسواق الدين وأسواق رأس المال. وتحدث الفارس في ورقته عن الأداء المالي للمصارف السعودية خلال فترة الأزمة، مقارنة بالصعوبات التي برزت على مستوى دخل المصارف خلال عامي 2006 و2007 نتيجة انهيار سوق الأسهم المحلية. لافتاً إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المصارف السعودية خلال الفترة المقبلة تكمن من ناحية في الأوضاع الجيوسياسية للمنطقة، ومن ناحية أخرى في مثابرة معدلات الفائدة العالمية على مستوياتها المنخفضة الحالية. أما الشريف آل غالب، فعرض في ورقته لواقع القطاع المصرفي الخليجي عبر دراسة مقارنة أشار فيها إلى وجود تفاوت في حجم الأصول البنكية بين أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، في مقابل تسجيل جميع تلك الأسواق نمواً متواصلاً في حجم أصولها المصرفية خلال الفترة الممتدة من العام 2005 حتى العام 2009. وخلال الجلسة الأخيرة، أكد الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء علي بن صالح البرّاك أهمية تعزيز دور القطاع الخاص في عمل الشركة خلال السنوات العشر المقبلة»، ولفت إلى أن بعض التحديّات التي تواجه الشركة ناتجة من «ارتفاع الطلب بوتيرة عالية، إذ من المتوقع أن تصل إلى 4 ملايين مشترك خلال السنوات العشر المقبلة». وشدد البرّاك على أن «لدى القطاع الخاص فرصة حقيقية للاستثمار في قطاع الكهرباء، كونه من القطاعات الأكثر جدوى على المدى البعيد»، مشيراً إلى أن «الاستثمارات المقدرة حالياً في هذا القطاع تبلغ 60 بليون ريال، في حين تشير التوقعات إلى الحاجة لنحو 80 بليون دولار لتغطية الطلب».