هيمنت النقاشات حول «الهوية الوطنية» وسبل تعزيزيها على ندوة أقيمت أخيراً في «ديوانية الدكتور أحمد العلي» بمدينة الخبر، وتطرق الحضور من مثقفين وكتاب وإعلاميين وأكاديميين، إلى أسباب نمو الصراعات في المنطقة العربية، مشيرين إلى خطورة «تفكك الهوية الوطنية، وبخاصة لدى جيل الشباب لمصلحة الانتماءات والهويات الفرعية». واستعرض المشاركون وجوهاً من هذه الهويات الفرعية «الولاءات الاجتماعية والعشائرية والمذهبية على حساب الاعتبارات السياسية والوطنية». كما ناقشوا حلولاً لتجاوز «الأزمة» من خلال عملية «بناء المجتمع التي تستهدف دمج وتسكين الهويات السابقة، لقيام الدولة ضمن إطار جمعي موحّد ومتفق عليه»، مستشهدين بمجموعة من الشواهد الحية في مجالات الاقتصاد والتعليم والابتعاث والثقافة. وتحدث ضيف «الديوانية» جعفر الشايب، عن أهمية البحث في موضوع الهوية الوطنية، لكونها تشكل «عاملاً بارزاً من عوامل تصاعد ونمو الصراعات في المنطقة العربية بشكل عام»، موضحاً أن الدراسات والأبحاث حولها لا تزال «محدودة للغاية»، مبرراً بكونها تشكل «إشكالاً حقيقياً في الأوساط الفكرية والسياسية». وطرح أسباب استمرار إشكال الهويات الوطنية لوجود «الجدل غير المحسوم بينها وبين الهويات الأعلى في الثقافة العامة، مثل الهوية الإسلامية أو العربية»، لافتاً إلى أن «الدولة القطرية العربية لم تتمكن من إنتاج هوية وطنية جامعة ومؤسسة بصورة سليمة». وأشار الشايب إلى الخلاف الدائر بين الباحثين حول مدى «ثبوتية الهوية أو حركيتها، بسبب التحولات في مختلف المكونات والتطورات التي تطرأ عليها»، محذراً من خطورة «تفكك الهوية الوطنية، وبخاصة لدى جيل الشباب لمصلحة الانتماءات والهويات الفرعية، مثل العودة للولاءات الاجتماعية والعشائرية والمذهبية والأطر التقليدية الأخرى، على حساب الاعتبارات السياسية والوطنية الكبرى، بسبب تراجع الشعور بالانتماء الوطني، ما يدفع الفرد إلى محاولة التعويض بإعلاء الولاءات الفرعية»، مؤكداً أن ذلك «يهدد الأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والسياسي». وحول العلاقة بين الهويات التقليدية والهوية الوطنية الجامعة، ذكر الشايب أن «الهوية الوطنية الجامعة لا تعني مُطلقاً أن يتخلى الناس عن خصوصياتهم الاجتماعية والدينية، كما أنها لا تعني بالضرورة الاشتراك في جميع الخصائص الثقافية والاجتماعية، كي يكون لديهم الإحساس بالانتماء الوطني، فهي في مفهومها الواسع تعني اشتراك أناس من مختلف الثقافات والعقائد والأعراق بوطن واحد ومصير مشترك في إطار هذه الهوية الوطنية الجامعة»، داعياً إلى إيجاد حال من «التوازن بين هذه المستويات من الهوية، لئلا تتحول الهوية الوطنية إلى حال قسرية تسقط الهويات الأخرى وتهمشها». وتطبيقاً لذلك على الصعيد المحلي، رأى أن «عملية بناء المجتمع تستهدف دمج وتسكين الهويات السابقة لقيام الدولة ضمن إطار جمعي موحد ومتفق عليه»، مستشهداً بمجموعة من الشواهد الحية في مجالات الاقتصاد والتعليم والابتعاث والثقافة. كما ناقش رأي الكاتب عبدالله حميد الدين في مفهوم الهوية الوطنية القائل بأنها «الاشتراك في بناء الدولة الوطنية، والمنطلقة من مفهوم أن الوطن هو أرض مشتركة، وأن تنمية المجتمع ينبغي أن ترافقها إرادة فاعلة ومجسّدة لخلق الدولة، لنقل الفرد من وضع المستفيد من خيرات الوطن، إلى وضع المواطن والمشارك بفاعلية في بناء الدولة». وفي نهاية حديثه أكد الشايب مجموعة من السبل التي تسهم في تعزيز الهوية الوطنية في المجالات الفكرية والقانونية والسياسية والإعلامية والثقافية والاقتصادية، مشيراً إلى مجالات تطبيقية على الواقع المحلي، منها «التواصل الاجتماعي وتكثيف اللقاءات الثقافية والحوارات الوطنية الجادة، وتوجيه الإعلام ليصب في تعزيز الهوية الوطنية». وقدم الحضور مداخلات متنوعة أبرزهم الدكتور عبدالرحمن الحماد، الذي ناقش تجارب الدول والمجتمعات الأخرى في بناء الهوية الوطنية وتعزيزها، والإعلامي فالح الصغير الذي أشار إلى وجود «أزمة في الوعي على مستوى العالم الإسلامي، وتوجهات لتوظيف الدين وفق أنماط معينة ما يفرز صراعات بينية». كما عقّب على حال التعايش والانسجام في المجتمع المحلي في المنطقة الشرقية بين مختلف المكونات الاجتماعية. وفي نهاية الحوار قال راعي المنتدى الدكتور أحمد العلي: «إن تجربة بناء الهوية الوطنية من الأمور التي تتطلب جهوداً كبيرة وفترات زمنية طويلة»، مشيراً إلى أهمية الجهد الذي يقوم به مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، مؤكداً أهمية «تناول مثل هذه القضايا بعيداً عن أية حساسيات أو توجهات فئوية، فالوطن هو أهم الأولويات لدى الجميع».