أدخلت الثورة المصرية مسلسلات نجوم التمثيل الذين كانوا احتكروا شاشات التلفزيون في الأعوام العشرين الماضية إلى نفق مظلم، بعدما باتوا مهددين بعدم الظهور على الشاشة خلال شهر رمضان المقبل، خصوصاً أن مسلسلاتهم كانت قبل اندلاع الثورة مجرد معالجات وأفكار لم تدخل حيز الكتابة. وتمثل هذا الأمر في إحجام غالبيتهم عن الادلاء بأي توضيحات تتعلق بهذه الأعمال التي كانوا ينوون تقديمها، كما اتخذت قرارات شبه جماعية من منتجي هذه المسلسلات بتجميد الموقف الخاص بالتصوير أو حتى إقامة الديكورات إلى حين وضوح الرؤية. الرؤية واضحة تماماً لدى هؤلاء المنتجين، خصوصاً ان غالبيتهم كانت تلعب دور «السماسرة» بين النجوم الذين تسببوا بمضارباتهم في ارتفاع أجورهم إلى درجة كبيرة كانت كفيلة وكافية للقيام بثورة ضدهم في أي وقت، وبين جهات الانتاج الحكومية ممثلة في قطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج الإعلامي وشركة صوت القاهرة، وهي صاحبة الجزء الأكبر من التمويل في الانتاج في المرحلة الأولى، وفي الشراء والعرض عبر قناتي التلفزيون الأولى والثانية، والفضائية الأولى والثانية، وقنوات النيل المتخصصة «نايل سينما» و «دراما1» و «دراما2» و «كوميدي» و «ثقافية» وسواها في المرحلة الأخيرة. والموقف شبه مجمد حالياً في هذه القطاعات الثلاثة بسبب ارتدادات زلزال الثورة، والذي تمثل في إلغاء وزارة الإعلام وحبس وزيرها السابق أنس الفقي ورئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المهندس أسامة الشيخ اللذين كانا يحرصان على شراء مسلسلات النجوم (مثل يحيى الفخراني ونور الشريف ويسرا وليلى علوي والهام شاهين وحسين فهمي وصلاح السعدني قبل أن تنضم إليهم أسماء جديدة خلال الأعوام الأخيرة ومنها: جمال سليمان وخالد صالح وغادة عبدالرازق وسمية الخشاب وهند صبري ومي عز الدين)، بأي ثمن رافعين شعارهم المتجدد: «رمضان حصري على التلفزيون المصري». وتجلى هذا الأمر بوضوح في رمضان الماضي حين اشترى اتحاد الاذاعة والتلفزيون أكثر من 40 مسلسلاً ب 306 ملايين و169 ألف جنيه، كان أعلاها لمسلسل «الجماعة» (21 مليون)، وهو رقم يتجاوز بكثير ما دفعته أي فضائية مصرية خاصة أو عربية لقاء عرضه، على رغم أن الممثل الأردني إياد نصار الذي جسد شخصية بطله الرئيسي حسن البنا لم يتقاض أكثر من نصف مليون جنيه أجراً له. ومع سجن الفقي والشيخ أصبح رؤساء القطاعات الثلاثة في مأزق كبير، خصوصاً أن الاحتجاجات المطالبة بتقديمهم إلى المحاكمة، وتقديم بلاغات ضدهم إلى النائب العام مصحوبة بالمستندات التي تدينهم تتوالى يومياً. والفضيحة تتمثل في أن بعض هؤلاء المنتجين كان يعمل مع وزراء في حكومة الرئيس المخلوع، ومع مسؤولين من الحزب الوطني ورجال أعماله أو أبنائهم وأقاربهم، ولم يكن هذا الأمر خافياً على القريبين من العملية الفنية، ما جعلهم يتسابقون، لمعرفتهم بالأرباح المضمونة سلفاً، على التعاقد مع نجوم من دون وجود نصوص جاهزة، وأصبحت مجرد موافقة النجم أو النجمة على بطولة العمل صك موافقة سريعة من الاتحاد على تمويله. هنا تحديداً تبدأ المأساة من طريق الاتفاق بين المنتج والنجم على اسم مؤلف لديه القدرة على «تفصيل» ما يسمى «مسلسل» على مقاس النجم الذي «يلتهم» مبالغ مالية تتراوح بين 6 و15 مليون جنيه بحسب أسهمه في بورصة الطلب عليه من الفضائيات، وهذه المبالغ كانت ستتضاعف هذا العام، لولا الثورة ونجاحها، ومن ثم وقف نزيف إهدار أرقام مليونية لنجوم لا يزيد عددهم على أصابع اليد الواحدة، ودفع النذر اليسير (الفتات) لمئات من زملائهم من أصحاب الأدوار الثانية والثالثة والرابعة، وبقية عناصر العملية الفنية من تأليف وتصوير وديكور وإضاءة وموسيقى تصويرية وإخراج وسواها. كل هذا في ظل حرص منتج العمل بالشراكة مع جهات الانتاج الحكومية على تحقيق أكبر مقدار ممكن من المكاسب المادية من دون الاهتمام بالمضمون او بتقديم أعمال هادفة تبقى في ذاكرة الجمهور بمرور السنين كما حدث في مسلسلات «الشهد والدموع» و «ليالي الحلمية» و «المال والبنون» و «رأفت الهجان» و «الفرسان» و «عمر بن عبدالعزيز» و «هارون الرشيد» و «بوابة الحلواني» و «أم كلثوم»، وسواها من الأعمال التي كانت تضم عشرات النجوم والمؤلفين والمخرجين، ومع هذا لم تصل موازناتها مجتمعة إلى موازنة ما سمعناه عن مسلسل عادل إمام الجديد «فرقة ناجي عطا الله» أو «مسيو رمضان أبو العلمين حمودة» لمحمد هنيدي أو «آدم» لتامر حسني ومي عز الدين، أو مسلسلات محمد سعد وكريم عبدالعزيز وعمرو دياب، والتي تأجلت إلى العام المقبل.