ليس هناك كلمة قاسية وجارحة تفعل الفعل الذي تؤديه الكلمة السيئة جداً «فساد»، ولا أعتقد بأن شيئاً سيذهب بنا إلى مآزق وكوارث أو أوجاع وطنية مستقبلية، كما يمكن للكلمة السيئة جداً «فساد»، قد نستطيع أن نمرر كلمات عدة ونبلعها على مضض، نقفز منها لأخرى أو نعود لأخرى قبلها إلا ما يعود للكلمة السيئة الذكر «فساد» وأعرفكم على مشتقاتها التي لا تبعد كثيراً منها «فاسد، إجرام، جريمة، خيانة، خائن، نذالة، نذل»، وهي تشير إلى أفعال جماعة أو فرد، الميزة الوحيدة لكلمة «فساد» أنه يمكنها ضم جميع العبارات التي تشترك في خاصية «السوء» وتنتمي الى مفردة «فضيحة»! اختلف - قبل أيام في سؤال عابر - علماء وقضاة حول الطريقة والكيفية التي بها يتم التشهير بالفساد وأهله ومشتقاته، وأنا أرغب منهم أن يقفوا على طاولة الاختلاف في قضايا متنوعة، وسنتجادل حولها ونتبادل الآراء والأطروحات، لكن لينسوا الخلاف بالكلية حول القضية التي تقصم الظهر وتوجعنا يوماً بعد يوم، لأن طاولة المساحة التي يدور فيها الفساد «وحل خالص» يصعب التعافي منها إلا بصرامة. الفاسد لا يستمر في أداء دوره بهدوء تام، وراحة بال إلا لأنه يعرف أن خلفه وعن يمينه ويساره من يسهل الفعل ويقلصه، بل يعيده إلى مناطق تقبل الجدال والنقاش والحوار والتسامح والسماح وغض الطرف عن الجزء الأكبر، ليأتي العقاب على شكل مكافأة نهاية خدمة، أو يُمْسَح العقاب بفعل ما تبذله الوجوه لإخفاء السواد واستعارة النزاهة وثوب البياض! نحن نئن من هذه الكلمة والمنتسبين لها، عجزنا عن أن نجد لهم ولو مخرجاً واحداً، وفي الوقت ذاته تعبنا في أن نعلن ولو واحداً منهم، نضع اسمه لدفتر «الفساد» وابتداء لقائمة سوداء لا ندعي عدم تواجدها بيننا، لكنها تأخذنا لغة العاطفة والرحمة والخجل من أن ندونهم فاسداً/ مجرماً تلو مثيله في المسمى ونظيره في الفعل على اختلاف الدرجات، نخشى أن يمسح الاسم خريطة العائلة أو الجذور والانتماءات المكانية ويشار لها عبر تقسيماتنا الساخنة ونظرتنا المتسرعة دوماً عن الخطأ وفاعله أو السلوك وصاحبه. لن يمر جرح دامٍ على البلد يتجاوز في أفكاره وخططه ودماره السيد/ «الفساد» سوى جرحنا الصاعق «الإرهاب» وها هي وُضِعَتْ قوائم بالشاذين، والمنحرفين، والخارجين، والمنتمين للجرح بالاسم كاملاً وسيرة ذاتية تثبت أن الوطن عَمِلَ وبَنَى والاسم المُعلَن «طَعَنَ وخَان»، الإرهاب ليس له وطن، وكذلك الفساد ليس له انتماء، ليس مستحيلاً أن نعلن القائمة ونرفق الصور التي تختلف عن صور المطلوبين أمنياً في أنها حديثة جداً وفي كامل أناقتها وابتسامتها، الفساد جريمة وطنية كبرى، لن يوقفها إلا التشهير ونزع الرحمة وأوراق التعاطف، الفاسد داس ضميره، وأهان كرامته، وباع وطنه بثمن بخس، إذا كنا نخشى ونخاف ونستحي من إعلان فاسد كبير أو صغير ونتجادل حول الطريقة التي نعاقب بها، ونضع التشهير جانباً فأعدكم أن هذا المسلسل الفاضح لن يتوقف وسنبلع فضائح مثل الجبال. [email protected]