الأردن - 2 أُكمل من حيث توقفت أمس، وأقول ان تقاليد عشائر الأردن على رأسي، غير انني أعطي نفسي حق انتقاد بعض أسماء الأبناء والبنات التي يستعملونها، فهي حتى لو كانت تراثية فالزمن تجاوزها. سأحاول أن أخفف على القراء الذين اعترضوا على ما كتبت ببعض حديث التراث. سأل العتبيُّ أعرابياً: ما بال العرب سمّت أولادها أسداً وكلباً، وسمّت عبيدها مباركاً وجوهراً. قال الأعرابي: لأنها سمَّت أولادها لأعدائها وسمّت عبيدها لأنفسها. أقول ان هذا الكلام ربما كان صحيحاً قبل 1400 سنة، إلا انه لم يعد صحيحاً اليوم، فلا أسياد وعبيد، وإنما الناس أحرار وسواسية كأسنان المشط. مع ذلك أقدر ان التقاليد مهمة، وإذا كان من إصرار على الأسماء القديمة فعندنا بعض أجملها، وابنتي اسمها مي، وهو تصغير ميّة، ويعود الى ما قبل الإسلام ولا يزال مستعملاً. واشتهر ذو الرمّة الشاعر بأنه صاحب مي، غير أنها قابلته ووجدته دميماً فنفرت منه وهجاها قائلاً: ألا حبّذا كل النساء وإِنما/ إذا ذُكِرت مي فلا حبذا هيا. أليست الأسماء خديجة وفاطمة وعائشة أجمل؟ وهناك من الأسماء القديمة ليلى التي قال فيها قيس بن الملوّح: أليس وعدتني يا قلب اني/ إذا ما تبت عن ليلى تتوبُ فها أنا تائب عن حب ليلى/ فما لك كلما ذُكرت تذوبُ وأيضاً بثينة التي قال فيها جميل بن معمر: مضى لي زمان لو أُخيّر بينه/ وبين حياتي خالداً أبد الدهر لقلت ذروني ساعة وبثينةً/ على غفلة الواشين ثم اقطعوا عمري ثمة ألف اسم قديم لا يتضمن إهانة، وبما انني اليوم أحاول أن أسترضي القراء من أبناء العشائر، فإنني أسألهم هل البنت التي سمّاها أهلها جروة، تظل جروة عندما تكبر أم تتعرض للإهانة والمضايقة إذا خرجت من محيطها، وهي قد تصبح طبيبة، فهل يجوز أن يكون اسمها الدكتورة جروة... هم يذكرونني بما قرأت عن ابن الأعرابي: سمعت أعرابياً يقول إني لأسرّ بالموت ولا دين ولا بنات. رأيي في أسماء الأطفال لا أصر عليه، انما أصر على معارضة جرائم الشرف معارضة كاملة، وقد وصفتها دائماً بأنها «قلّة شرف» وأزيد اليوم انها قلّة انسانية. إذا كانت البنت الخاطئة دون السن فهي قاصر ولا حرج عليها بحسب حكم الشرع والقوانين الوضعية، وإذا كانت بالغة فأنا أقبل أن تُطرد وأن تتبرأ منها الأسرة والعشيرة، مع تقديري حجم الفضيحة وأثرها في الأسرة كلها، فلا أقول سوى: يا رب تنجينا، أو لا تجربنا. أبناء عشائر الأردن ليسوا فوق مستوى النقد، لا أحد فوق النقد، وقد انتقدت يوماً بابا روما بسبب محاضرة له عن قيام الدولة العثمانية على أنقاض بيزنطة، ولم أعتبره معصوماً. وكنت أشرت الى شهرة الأردنيين في العبوس، ووجدت من اعترض على ذلك أيضاً. هذه الشهرة يتندر بها الأردنيون أنفسهم، وهم يرسلون لي النكات عنها، وفي مصر نكات الغباء عن الصعيديين، وفي سورية ولبنان عن أهل حمص، وفي انكلترا عن الإرلنديين، وفي أميركا عن البولنديين، فهذه النكات في كل بلد، وعادةً عن بلد مجاور. وهذا مع ان الصعيد أنجب علماء ذرة، وكان شيخ الأزهر الراحل محمد طنطاوي صعيدياً ينطق الجيم كالشوام. أما حمص فأنجبت رؤساء دولة وحكومة ومن قراها أسرة الحاكم ميتش دانيالز، المطروح اسمه الآن مرشحاً للرئاسة الأميركية. وأحكي للقراء قصة، فقد تغير سفير الأردن في لندن قبل سنوات، ووجدت ان السفير الجديد اتصل بي، إلا انني سافرت من جديد. وكنت بعد ذلك في حفلة إفطار يقيمها كل سنة السفير الأميركي في لندن للعرب في لندن، واقتربت مني سيدة حسناء قالت انها سفيرة الأردن. كانت الأخت عليا بوران، السفيرة في واشنطن الآن، وقلت لها معتذراً ان الاتصال كان بالإنكليزية، واعتقدت انني سأجد سفيراً آخر بشاربين و «كشرة». وهي ضحكت وقالت ان زوجها من دون شاربين أو كشرة، وتعرفت عليه بعد ذلك وكان كما قالت اختنا عليا. وأعود الى صورتي مع الملك حسين التي بدأت بها أمس، فأنا أعرف الأردن منذ طفولتي، وأعرف الملك حسين منذ مطلع السبعينات وحتى وفاته. والصورة تعود الى سنة 1973 ومقابلتي الصحافية الثانية له، وعندما عرضتها عليه سنة 1995 سرّ بها جداً، فقد بدا فيها وسيماً مفتول العضلات في قميص عسكري كاكي ومسدسه الى جانبه. وهو ابتسم وقال لي: شوف ما تغيرت. ونظرت اليه والشيب في شعره، وقد نحُل جسمه وقلت: انت الملك، ماذا أستطيع أن أقول. كانت بيننا صداقة لم تهتز يوماً وسأحكي للقراء معلومات أرجو أن تجمع بين الفائدة والتسلية. [email protected]