بدأت علاقته مع الأسى منذ وقت مبكر، حالت الظروف القاهرة بينه وبين السعادة، وحرمته الابتسامة، وفرضت عليه التعامل معها على رغم صغر سنه آنذاك. ولم يجد أبو وحيد الستيني، الذي أعياه المرض، بداً من العيش مع أبنائه تحت سقف منزل آيل للسقوط تصدعت جدرانه، وتساقطت أجزاء من أسقف الغرف، فهم يعيشون وضعاً مأسوياً مثيراً للأسى والشفقة. وعلى رغم خطورة السكن في ذلك المنزل، إلا أنهم اضطروا إلى العيش فيه، لعدم مقدرة رب الأسرة على دفع تكاليف ترميم المنزل أو شراء مستلزمات ضرورية لمنزله الذي أصبح شبه مهجور. ويعيش أبو وحيد مع عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أبناء، لم يستطع أن يقدم لهم سبل الراحة أو يلبي لهم متطلبات الحياتية مثل أي أب. ويروي المسن أبو وحيد بداية مأساته مع العوز: «عانيت كثيراً نتيجة ضعف تعليمي وبعد أن مررت في ظروف صعبة منها وفاة والدي وتحملي المسؤولية وأنا صغير السن وأصبحت مسؤولاً عن عائلة كبيرة، ومع مرور الزمن استطعت تزويج أخواتي البنات، وبقيت والدتي المسنة تحت مسؤوليتي»، مستدركاً: «إلا أنني لم أستطع تعديل الأمور، فقد تراكمت علي الديون ولم أستطع بسبب ظروفي وفاة والدي إكمال تعليمي، فوجدت نفسي مكبلاً منذ البداية». ويضيف: «لا أستطيع حبس دموعي حينما يطلب مني أبنائي مالاً أو ألعاباً أو مكاناً ترفيهياً نذهب إليه، فأنا لا أجد مالاً كافياً لذلك، خصوصاً أنه لا يوجد لي أي دخل ثابت من أي جهة حكومية، سوى بعض هبات المحسنين وفاعلي الخير والتي تأتي متقطعة وأحياناً لا تأتي»، مؤكداً أن أكثر ما يرعبه ويضايقه ويخيفه على أسرته أنه عاجز حتى الآن عن إدخال ابنه الكبير البالغ من العمر 13 عاماً المدرسة، بسبب ضيق اليد وعدم وجود مواصلات. ويلفت أبو وحيد إلى أنه يبكي عندما يرى الانكسار في عيون أبنائه، «لقد سيطر عليهم الخجل وأثر ذلك حتى على ثقتهم في أنفسهم، فهم يرون أنفسهم أقل من أقرانهم، وأصبحت أخشى عليهم»، مشيراً إلى أنه يقضي معهم أياماً وليال عصيبة لا يخرجون فيها من منزلهم، الأمر الذي تسبب في عزلتهم حتى عن أقرانهم. ويتابع: «ملابس أبنائي آخذها مما يضعه المحسنون أمام المسجد فأحملها على ظهري ليلاً لأطفالي وأهلي وأرجع ما لا يناسبهم»، موضحاً أن منزله لا يوجد فيه أي أدوات كهربائية مثل الثلاجة وغيرها، ولا يوجد إلا بطانية واحدة لا تقي والدته وزوجته وأطفاله شدة البرد، «جميعنا نشعر بالقلق والخوف عند هطول الأمطار، إذ يتحول البيت إلى مجرى للسيول ويزداد خوفنا من سقوط المنزل أو انهيار بعض أجزائه». وتقول والدته المسنة ونظرة عينيها لا تكاد تستقر في اتجاه محدد: «لم أعد قادرة على مغادرة المنزل ولا البقاء أسيرة جدرانه، إذ إن ما نمر به من ضائقة مالية أجبرتنا على الصبر حتى يأتينا الفرج من الله، الديون تثقل كاهلي وتزيد الأعباء والضغوط على ابني فهو مطالب بسداد دين من أحد أقاربنا ومهدد بالسجن إذا لم يدفعه».