هي مدينة شجرة الأرز في المغرب بامتياز. فليس غريباً أن يسمى به هذا الاحتفاء السينمائي المحلي، هو الذي ينتشر في مساحات شاسعة لغابات متعرشة في كل مكان من هذه البقعة الطبيعية الرائعة من جبال الأطلس المتوسط. كما أن الجائزة التي تقدم في هذه المهرجان هي أرزة ذهبية. وهو حدث ثقافي سينمائي تعرفه المنطقة كل سنة منذ قرابة العشرين سنة. ودورة هذه السنة هي التاسعة عشرة وتعرف قاعة المناظرات بإفران، وسط المدينة، فاعليته من عروض أفلام وندوات وتكريمات وحفلات افتتاح واختتام مع تخصيص عروض هواء طلق بمدينة أزرو المجاورة التي عرفت مهد هذا المهرجان في بدايته. وخلال كل هذه المدة عرف هذا المهرجان تغييرات متتالية في اسمه وهويته قبل أن يستقر على التسمية الحالية، ما يدل على بحث مستمر من أجل معانقة تجارب سينمائية وموضوعاتية أكثر شمولاً واتساعاً. إلا أن ذلك ليس يسيراً، لكن تُحسب له أنه يُعَد أول مهرجان فكر في تخصيص حدث احتفاء مع مسابقة للفيلم القصير بالمغرب، قبل أن تتكاثر في كل ربوع البلد. الهاوي والمحترف عرفت دورة هذه السنة مشاركة اثنين وثلاثين فيلماً قصيراً وُزعت على مسابقتين: المسابقة الرسمية والتي شملت مشاركة أعمال من المغرب ومن العالم العربي والأفريقي غالباً، ومسابقة الشباب التي تحمل اسم الممثل الراحل العربي الدغمي والخاصة بتشجيع المنتوج الفيلمي المغربي القصير. من خلال المشاهدة يمكن القول إن المستويات الفنية والتقنية والموضوعاتية لهذه الأفلام أتت متفاوتة في شكل كبير. وهذا راجع وفق المنظمين إلى رغبتهم في فتح المجال للكل كفرصة الخطوة الأولى لكل مشروع مخرج، بيد أن هذا الهدف النبيل بدا غير محمود العواقب في جميع الأحوال. ولكن إلى هذا أتيحت الفرصة لاكتشاف أفلام قصيرة جميلة يأتي على رأسها الفيلم البحريني «سكون» للمخرج عمار القهوجي، والذي يعد تحفة فنية حقيقية بصورته المؤثثة تشكيليا وحركيا لتجعل المشاهد يعيش فرجة مزدوجة، مع إدارة تمثيل دقيقة. في عالم نساء مغلق يجري حوار صامت ومعبر بين فتاتين، سوداء وبيضاء، من حيث البشرة، في واقع منحسر قاس، حول فاجعة العزلة الأنثوية. ثم الفيلم المغربي «حالة انفصام» وتدور وقائعه هو أيضا حول أختين إحداهن تشكو من مرض المشي نائمة، بعد فشل عاطفي. وفيلم «لمسة خشنة» للمغربي حسن معاني الذي أظهر قدرة على تخيل موقف مفاجئ في حكايته. وحسبنا هنا أن نورد هذه الأمثلة التي ساهمت إلى جانب أفلام أخرى أقل قيمة في منح الحدث وجهاً سينمائياً. وقد أجازت لجنة تحكيم مكونة من المخرج المغربي يونس الركاب والمخرج العراقي ليث عبدالأمير والمصري علاء نصر والناقد السوري محمد عبدالهادي السميطي والمخرج المصري محمد علي ماهر، أجازت أفلاماً في جميع الأنواع المقررة بعد مشاورات حادة لوجود فروق كثيرة واضحة في المواد الفيلمية المقدمة. الندوة الفكرية بموازاة العروض، تم تنظيم ندوة فكرية هامة بمحورين. المحور الأول حول البعد الافريقي في السينما المغربية، وحاول تبيان حدود الاتصال والانفصال بين المعطى الأفريقي (جنوب الصحراء الكبرى) والمغرب الذي يوجد في شمالها، وكيف يتم إظهارها رمزياً عبر الفن السابع. المحور الثاني خُصص لحضور المرأة في السينما المغربية. شارك في الندوة كل من الكاتب مبارك حسني والباحث محمد البوعيادي وسيرها الناقد والباحث المعروف أحمد سيجلماسي الإدريسي. في نهاية ذات الندوة تم توقيع كتاب الكاتب محمد شويكة «الجماليات البصرية: التشكيلي والسينمائي نموذجاً» الذي نشر بانوراما نظرية وتطبيقية للعلاقات بين هذين الفنين. وقد شكلت هذه الندوة علامة مضيئة قاربت نظرياً المعطى السينمائي وكانت قوة ضوء فكرية وفنية. في ذات الإطار، كرم المهرجان ممثلة مغربية من عيار ثقيل ثقافةً وأداءً وتجربةً ومساراً، هي فاطمة وشاي، المعروفة بمواقفها العامة كما بأدوارها الشهيرة في المسرح والسينما وبخاصة في التلفزيون. كما تم تكريم الممثلة السنغالية رقية نيانغ التي شاركت في العديد من الأعمال الفيلمية لمخرجين مغاربة. ويمكن القول بأن حدثاً سينمائياً مركزاً على العروض بمدينة صيتها مرتبط بالجمال والفرادة الطبيعية يُعد حالة ثقافية يحب أن تمتح من هذه الفرادة كي تتطور نحو الأفضل والأجمل. وذلك بمقاربات أوسع. فالأرز الذهبي فكرة سامية.