ثمة وميض أمل. إذا قرّر الفهد الأبيض اختبار قواه الهائلة في مسابقات المسافات الطويلة فإنّه يخسرها كلها، بداية من سباق خمسة آلاف متر. إذ تحتاج اندفاعات «الشيتا» القويّة إلى حرق كميّات كبيرة من السُعرات الحراريّة في جسده الحار أصلاً الذي لا تنخفض حرارته الداخليّة عن 38.7 درجة مئوية. وفي جري المسافات القصيرة، تتسرب الحرارة الإضافيّة من العضلات إلى الخارج. ومع المسافات الطويلة، يُحتَبَس تسعين في المئة من الحرارة داخل الجسم. ولدى بلوغ الحرارة 40.5 درجة مئوية، يُصدر مخيخ ال «شيتا» أمراً صارماً بوقف كل حركة تحت طائلة تَلَف الأعضاء الحسّاسة بفعل الحرارة اللاهبة. وهكذا، يتابع عداؤو البشر جريهم معتمدين على نظام «تبريد» مزدوج من العرق ومسامات الجلد. وربما يتنفس الجمههور البشري الصعداء, مع فوز العداء الإثيوبي المُخضرم هايلي جيبري سيلاسسي بسباق العشرة آلاف متر. لكن ماذا عن الأحصنة والكلاب, أوليست عدّاءات يُعتد بها؟ مع الاقتراب من المسافات الطويلة جداً، لا يعود الفوز مرهوناً بقوه العضلات بل بقدرتها على الابتراد، وكذلك الحصول على كميّات مناسبة من الأوكسجين في شكل متواصل. وبذا، تظهر ميزة المشي المَرِن على القدمين. وفي المقابل، تعدو الحيوانات على أربع، وتحرق سُعرات كثيرة لتمد عضلات أطرافها بالطاقة. كما تحتاج إلى ابتراد سريع لا يمنحه لها جسدها المغطى بالصوف والوبر، مع العلم أنّها لا تملك نظام تعرٍّق كفيّ أيضاً. وكذلك تلعب الجاذبية لعبتها ضد جهازها الدوري، فتتركز كميات متزايدة باستمرار من الدم في الأطراف الأربعة الكبيرة. ويؤدي اجتماع تلك الامور إلى عجزها عن الفوز بالماراثون. هل يعني ذلك فوزاً حتمياً للإنسان في سباق الماراثون؟ الأرجح أن لا. فالأرجح أنّ لواء الفوز في ماراثون الركض معقود ل....الكنغارو: بطل الاقتصاد في صرف السُعرات للمسافات الطويلة. يثب الكانغارو على قدمين خلفيتين ذات عضلات مرنة وقوية وغير متضخمة، فيدفع نفسه منفقاً القليل من السعرات. ثم يطير ويحطّ، فتنكمش تلك القوائم عينها كالزنبرك، تساعدها الجاذبية الأرضية وليونة المفاصل. ويكاد أن ينفق سعرة وحيدة في كل «نطة». اذاً، يقطع الكانغارو نصف الماراثون من دون حرق الكثير من السعرات، ما يُبقي حرارة جسمه خفيضة، وكذلك حاجته للأوكسجين أيضاً. ويمكن أن تعتبر «نطنطاته» كأنها «استراحة بين انطلاقتين». لقد سُحبت ذهبيات المسافات الطويلة والمتوسطة من أساطين البشر، الذين يكتفون بالفضة والبرونز، تاركين الذهب للكانغارو صاحب الوبر الذهبي أصلاً!