عقب صحوة المواطن العربي في تونس ومصر وتبعها معظم البلدان العربية، خرج علينا الرئيس أبو مازن بخبر جميل أثلج صدورنا وهو الانتخابات، التي حدد لها سقفاً زمنياً لإتمامها. طبعاً لا يعنيني هنا مناقشة سبب هذه الدعوة وحسن النيات أو سوئها، لأن ما يهمني هو عودة الأمر إلى المواطن ليقرر من يحكمه. ولكن سرعان ما تبددت هذه الفرحة حين خرج قادة «حماس» ليعلنوا عدم موافقتهم على إجراء انتخابات وبأن خلفها نيات سيئة، بل وأكثر من ذلك فاجأنا أئمة المساجد في غزة بإعلانهم أن هذه الثورات في البلدان العربية هي صحوة إسلامية ومن يحرك الشارع العربي هي دول الممانعة، وأن غزة كانت السباقة في هذه الثورة عندما سيطرت «حماس» على قطاع غزة عام 2007، وانتقلت السلطة الفلسطينية إلى الضفة الغربية. وأضاف الأئمة على ذلك تهديداً صريحاً لمن سيخرج إلى الشارع للمطالبة بإنهاء الانقسام، وسموا هؤلاء «المتشدقين بإنهاء الانقسام»، وبهذا تكون اكتملت الصورة وهي مرحلة جديدة من تكريس الانقسام وفصل جديد من الفرقة وإعلاء المصلحة الحزبية على المصلحة العامة. إن الثوار في تونس ومصر لم يقسموا الوطن بل أسقطوا حكاماً مستبدين وأبقوا الوطن كلاً متكاملاً، فإذا اعتبرتم تلك الثورات صحوات إسلامية فسيروا على خطاها ووحدوا الوطن، فعدوكم واحد وإن اختلفتم في نهج التعامل معه، يقول الله تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ « الأنفال - 46. ربما تكرس الانتخابات الواقع الحالي في شكل أوسع، وتضيف إلى عمره المزيد من الوقت وتدخله مراحل جديدة، أما الحل فيكون في إنهاء الانقسام عبر حوار جاد وصادق على قاعدة لا غالب ولا مغلوب والوطن فوق الجميع، ولتتركوا التلكؤ والهزل الإعلامي، فإن كان السلاح والقوة والسجن والبطش والقتل هي أسباب استقرار حكمكم هنا وهناك فعليكم أن تقلقوا لأن ذلك استقرار زائف وزائل وأنتم أدرى من غيركم بشعبكم إذا ثار. أما الضامن لهذا الحوار فلا يجب أن يكون الطرف المصري أو القطري أو السوري مع احترامي لكل الجهد الذي بذل من الأشقاء العرب، بل يجب أن يكون راعي الحوار طرف فلسطيني قوي وجريء ومحايد، كي لا يتهم بالتحيز لأحد أطراف الحوار مثلما اتهمت من قبل مصر وقطر وسورية، وهنا أقصد بصراحة حركة «الجهاد الإسلامي» الحزب الأكبر في الشارع الفلسطيني بعد «فتح» و «حماس». وفي حال تم إفشال الحوار من قبل «فتح» أو «حماس» على «الجهاد الإسلامي» ومن معه من الفصائل والكارهة للانقسام أن يعلنوا في شكل واضح وعلني عن الطرف المعطل للحوار والذي يتلكأ والذي لا يرغب في إنهاء الانقسام. على «حماس» و «فتح» أن يعلما بأن هناك شعباً أبيّاً مناضلاً لم يكسره الاحتلال طوال عقود ولم يثنه الخوف والبطش عن حقه.