أكد أكاديميون أن الجامعات السعودية تعيش في عزلة عن الحراك الثقافي المجتمعي، مكتفية بدورها التربوي التعليمي الذي يؤطرها في حدوده ويغيبها عن الحياة العامة الفكرية والثقافية وعن المشاركة في القضايا المجتمعية التي تهم شرائح المجتمع بمختلف توجهاتهم. وطالب هؤلاء في حديثهم ل«الحياة» بمد جسور التواصل بين الجامعات والمجتمع لتفعيل دورها المهم، كونها مؤسسات مدنية لا سيما بعد زيادة عدد الجامعات، وذلك باستضافة علماء ومفكرين ومثقفين يقدمون ما لديهم من أفكار وتجارب للجمهور، في لقاءات تفاعلية لتسهم الجامعات في بناء وتطوير أفراد المجتمع، وتعزز من دورها في دفع عجلة التنمية الثقافية والفكرية والحضارية. وأوضحت أستاذة التاريخ المشارك في جامعة شقراء الدكتورة بدرية العوهلي أن دور الجامعات ليس تعليمياً فحسب، إذ تعد الجامعة إحدى مؤسسات المجتمع المدني المهمة، فهي مسؤولة عن بناء الإنسان فكرياً وعلمياً وثقافياً ومهنياً ونفسياً، وتقوم بعملية التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع والتواصل الثقافي، لذلك تعد الجامعة جامعة للمجتمع، فهي تبدأ منه وتنتهي إليه، وتحمل اسمه، ومن العلم تحقق أهدافه وإبداعاته ومن الثقافة أصالته وتنقلها من جيل إلى جيل، لذلك نجد أن الدور الثقافي للجامعة بجانب مهماتها الأخرى جزء أصيل من رسالتها العالمية. وقالت العوهلي ل«الحياة» إن التوسع الكمي في عدد الجامعات وأعداد الطلبة المتزايد لم يواكب التوسع النوعي في مسألة الثقافة، إذ إن النشاط الفكري والإبداعي المجتمعي «لم يعد من همومها ونشاطها، وهذا أمر غير مقبول، فمن المآخذ على الجامعات باعتبارها مؤسسات عزلتها عن الحياة الثقافية والاجتماعية، فهي تقدم المحاضرات العامة والندوات، لكنها لا تستضيف لا علماء أو مفكرين يمكن للجمهور الاستفادة منهم، فأصبحت جامعات تحيط بها عزلة مقيتة، فلم يعد لها وظيفة سوى التعليم وتطوير القدرات المهنية في الطب والهندسة وغيرها، بجانب إنتاج الأبحاث التي تخدم أعضاء هيئة التدريس في الترقيات العلمية أو سوق العمل». وعزت العوهلي أسباب عزلة الجامعات إلى أن الجامعات «سيطر عليها هاجس سوق العمل، فصارت تحصر نفسها لتكون مصنعاً للتقنيين والمهندسين وخبراء الحاسب والأطباء والصيادلة والعاملين في المجالات الصحية، وابتعدت عن العلوم التي تتعلق بجوانب حياة الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ما نتج من ذلك ضعف المخرجات، نتيجة لضعف المدخلات»، لافتة إلى أن الطلبة ذوي المعدلات المنخفضة يتوجهون لدراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية أو اللغات، «فأصبح لدينا مجتمع لا يفقه أجياله شيئاً في أمور الحياة الاجتماعية والثقافية والفكرية، كذلك الإخفاق في الجانب الثقافي والحراك الاجتماعي في فعاليات بعض الجامعات الناتج من عدم اهتمام بعض مسؤولي الجامعات بهذا الجانب، إذ يرون أن هذا الجانب لا يعني الجامعة، فيما يقف بعضهم موقفاً آخر، باعتباره ترفاً، ويرى أنه من اهتمام جهات أخرى غير الجامعة». أهمية تغيير الاستراتيجيات وشددت العوهلي على أهمية أن تغير الجامعات سياستها وخططها الاستراتيجية، وألا تحصر دورها في المجالات التعليمية والبحثية فقط، مشيرة إلى أن لها دوراً أكثر أهمية وفاعلية من سوق العمل ومتطلبات الوظيفة، موضحة أنها بما تحويه من عناصر بشرية مؤهلة ومدربة من أعضاء هيئة التدريس، ومن طاقات شبابية مقبلة على التعليم، وبما تملكه من موازنات مالية واستثمارات وقدرات علمية، وتجهيزات معملية وتقنية، ومرافق متعددة ومتسعة، وفعاليات للأنشطة اللا منهجية، فهي حتماً قادرة على مد جسور العلم الثقافة والفكر إلى المجتمع المحلي والعالمي إلى حد سواء، مؤكدة ضرورة اهتمام الجامعات بالمراكز البحثية التي تخدم الجامعة والمجتمع، وتطوير آليات التفاعل الإيجابي بينهما، من خلال المشاركات المجتمعية والثقافية والبحثية والاقتصادية والاستثمارات ذات المردود النفعي بين الجامعة والمجتمع. وطالبت بفتح أبواب الجامعات على مصراعيها لتتنفس هواء الفكر والثقافة العامة غير المتخصصة، وتشارك المجتمع همومه وقضاياه، إذ لا يقتصر دورها على الدور التربوي والمهني فحسب. وقالت إن الدور الثقافي والاجتماعي للجامعة بجانب مهماتها الأخرى جزء أصيل من رسالتها العالمية، حتى تتصدر مكاناً يليق بها في الميزة التنافسية العالمية، إذ تمثل الرؤى الإبداعية والمفاهيم الفكرية التي تبلورها المجتمعات وتغرسها في أجيالها، وهذه الثقافة تنهض بدورها المحوري في توجيه حركة المجتمع. في حين قال الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نائب رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي الدكتور ناصر الخنين إن من المقرر في أهداف الجامعات في المملكة أنها أنشئت لخدمة المجتمع، وذلك بتأهيل المتخصصين في التخصصات الشرعية والعربية والعلمية والتقنية والفنية والمهنية والاجتماعية والنفسية وغيرها، بحسب نظام كل جامعة، مما يحتاج إليه المجتمع في حياته العصرية، ومما هو محقِّق لخطط الدولة التنموية في نهضتها الحضارية بين الدول المعاصرة، مشيراً إلى أن الجامعات «قصّرت في جانب الحراك الثقافي والأدبي والشرعي والاجتماعي الذي يثري محاضن الجامعات نفسها، من أساتذة وإداريين وطلاب، ويبث الوعي بين فئات المجتمع بشكل عام». وأضاف أن «هذا الجانب الثقافي المنفتح على مجتمع الجامعة وقطاعات المجتمع العامة هو المنتظر من قيادات كل جامعة في كل منطقة من مناطق المملكة، فمن المهم أن يكون هناك برنامج ثقافي لكل جامعة، ينطلق من تخصصها العلمي، يتمثل في وضع خطة ثقافية فصلية، ترشح الجامعة من خلالها أبرز أساتذتها لإلقاء محاضرات أو عقد ندوات أو تنظيم دورات في تخصصاتهم، مع محاولة تنزيلها على الوقائع الاجتماعية لمعالجتها، والارتقاء بأنماطها، وتهذيب ما انحرف منها، وعرض مقترحات فاعلة لإنهاضها». استغلال وسائل التواصل وذكر الخنين ل«الحياة» أن الحراك الثقافي والاجتماعي والتواصل العلمي والتنسيق بين الجامعات السعودية من أجل الخدمة المتبادلة والنفع العام «ينبغي أن يكون في أولويات مهمات الجامعات في عصر التقنيات المتطورة، باستغلال وسائل التواصل الاجتماعي وتوظيفها في هذه المقامات، وخير هذه الجامعات هي التي تبدأ بذلك في مبادرات استباقية متقدمة، واقتراحات عميقة بانية، لنبني وطننا بناء علمياً محكماً في مظهر حضاري يليق ببلاد الحرمين الشريفين، التي تتشرف بخدمة من يقيم على أرضها، أو يفد إليها زائراً أم حاجاً أم معتمراً». من جانبه، أكد المشرف العام على إدارة الشؤون الثقافية بجامعة الطائف الدكتور أحمد الهلالي أن عزلة الجامعات ثقافياً من المسائل المؤرقة، وقال: «على رغم أن جل المشاركين في الملتقيات والمناسبات الثقافية من أكاديميي الجامعات إلا أن حضور الجامعة باعتبارها مؤسسة فاعلة ومؤثرة في المشهد الثقافي السعودي ما يزال لا يرقى للمأمول على مستوى الوطن والوطن العربي، وحتى الملتقيات التي تقام في بعض الجامعات يغلب عليها الطابع الأكاديمي البحت، ويخلو من المناشط الثقافية التي تناسب الفئات المثقفة من غير الأكاديميين»، مستدركاً خلال حديثه ل«الحياة» أنهم في جامعة الطائف أنشأوا إدارة خاصة للشؤون الثقافية، «هي الأولى على مستوى المملكة تعنى بتفعيل الثقافة داخل الجامعة، وربط الجامعة مع المؤسسات الثقافية خارجها، واستطعنا من خلال الإدارة الخروج إلى محافظة الطائف بالمشاركة مع نادي الطائف الأدبي في يوم الشعر العالمي، وكذلك يوم المسرح العالمي مع مدرب من خارج الجامعة، إضافة إلى المشاركة بأمسية شعرية في مهرجان الورد الطائفي، واستضافة مثقفين من الطائف في مناسبات مختلفة». وقال إنه تم عقد ندوة ثقافية كبرى لمناقشة تقرير مؤسسة الفكر العربي التاسع، «وكان المشاركون فيها من كبار مثقفي المملكة، ودعونا لها عدداً كبيراً من المثقفين، ناهيك عن الفعاليات والورش داخل الجامعة للطلاب والأساتذة، والتعاون مع المهرجان الوطني للتراث والثقافة، ومركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية»، كاشفاً عن أن من ضمن خططهم لهذا العام العديد من المناشط الثقافية داخل الجامعة وخارجها، «اتساقاً مع مبادرة مدير الجامعة الدكتور حسام زمان «الطائف من جديد»، التي تتخذها الجامعة شعاراً لهذا العام، بعد مبادرتها الأولى «جامعة الطائف التي نريد».