يُساهم عدد من رجال الأعمال المصريين هذه الأيام في إعادة قدر من العافية إلى الاقتصاد المصري المتوعك، وذلك بضخ أموال إلى ماكينة الإعلانات التي تعطّلت منذ اندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) الماضي. لكن الإعلانات التي يبادر رجال الأعمال إلى نشرها لا تحمل ترويجاً لمنتجاتهم، أو مطلباً بتعويض عن أضرار لحقت بأعمالهم، ولكنها توضيحات وتبرئة سمعة وذمة من «تهمة» الارتباط بالرئيس حسني مبارك أو أي من أفراد أسرته. موجة التبرئة، أو بالأحرى التبرؤ من النظام، بدأت عقب التأكد تماماً من انتهاء «عهد مبارك». فعلى رغم شيوع عبارة «تزاوج المال والسلطة» في السنوات القليلة الماضية في الإعلام الخاص وتجرؤ البعض في الصحافة القومية على الحديث عن تلك الظاهرة، وإن كان على استحياء، إلا أن الزج باسم الرئيس مبارك وأفراد عائلته في مثل هذا النوع من التزاوج كان نادراً. وعلى رغم ندرته، إلا أن كثيرين كانوا يتحدثون عن علاقة الرئيس وأسرته بعالم المال والأعمال، سواء عن الكواليس أو نقلاً عن «إشاعات» يتم تداولها وتجد صدى كبيراً - حتى لو لم تكن صحيحة - لدى جموع المصريين الرازحين تحت مشكلات الحياة اليومية الاقتصادية. وعلى رغم سيل هذه الأقاويل والإشاعات عن ضلوع عائلة الرئيس مبارك كشريك مع عدد كبير من رجال الأعمال، إلا أن أحداً لم يستشعر الحاجة إلى تكذيبها أو نفيها أو حتى تأكيدها. لكن رياح الثورة تأتي بما لا يشتهي عالم المال والأعمال، فحين استشعر رجال الأعمال نهاية النظام تلوح في الأفق، كانت الإعلانات المدفوعة الأجر قد بدأت تنهال على مكاتب الصحف اليومية. كانت البداية نفي «عامر غروب» القابضة صاحبة امتياز «مطاعم تشيليز» ما تناولته وسائل إعلام أجنبية وفضائيات إخبارية عن وجود صلة بين أفراد أسرة الرئيس مبارك وبين المجموعة. ولحقت مجموعات أخرى بركب النفي. شركة «فودافون مصر» أكدت كذلك أنه لا توجد أي ملكية لأي فرد من عائلة الرئيس في الشركة، مشيرة إلى أن مساهمي الشركة معروفون ومقيدون رسمياً، وذيّلت الشركة نفيها بالتأكيد أنها «تعمل بشفافية كاملة تجاه مشتركيها وتجاه العاملين وكذلك المساهمين وتجاه المجتمع الذي نحن جزء لا يتجزأ منه». وانضمت شركة «جي. بي. أوتو» هي الأخرى لجموع المتبرئين من تهمة علاقة الرئيس وأسرته بها، ونفى رجل الأعمال السيد رؤوف غبور امتلاك الرئيس أو أي من أفراد أسرته أسهماً في الشركة، مؤكداً أنها شركة اكتتاب عام، وأن جميع حملة الأسهم مقيدون في البورصة وغالبيتهم من أفراد أسرة غبور نفسها، في حين أن بقية الأسهم يمتلكها أفراد عاديون. كذلك أكدت مجموعة شركات «النساجون الشرقيون» عبر إعلان على نصف صفحة في غالبية الصحف اليومية أمس أن أياً من عائلة الرئيس مبارك لا يمتلك أي حصة في المجموعة داخل البلاد أو خارجها. وبات الشعار الذي ترفعه فئات عدة في مصر هذه الأيام هو «الكبير لازم يرحل» وهي العبارة التي اشتهر بها الفنان لطفي لبيب في فيلم «طير انت». لكن المقصود بالكبير في التظاهرات والاحتجاجات التي تعم أرجاء مصر لم تقف عند حدود «أكبر الكبار» في مصر وهو الرئيس مبارك، لكنها امتدت لتشمل كبار «الفاسدين» في المؤسسات والهيئات والوزارات والشركات التي ظل كبارها جاثمين على صدور صغارها لسنوات طويلة. وهو «جثوم» تشعّب ليشمل تقليص أجور العاملين بدعوى الترشيد، وتضخيم مكافآت الكبار بدعوى الأرباح، ووقف التعيينات بحجة عدم الحاجة للعمالة، وفتح الأبواب الخلفية لتشغيل أبناء وأشقاء وأقارب المسؤولين تحت بند «الكوادر النادرة».