تراوحت ردود الفعل في إسرائيل على قرار المحكمة سجن رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت (68 عاماً) لست سنوات لقبوله رشاوى بمبالغ كبيرة، بين الخجل من تكرار ظاهرة ضلوع أركان الدولة العبرية في قضايا فساد، وهذه المرة من شغل أعلى منصب فيها، وبين الشماتة لدى أوساط في اليمين المتشدد من رئيس حكومة ترك المعسكر وانضم إلى حزب «كديما» الوسطي. وأشاد الجميع في مقدمهم رجال القانون بالجهاز القضائي «الذي لا يميز بين رئيس حكومة ومواطن عادي». ودانت المحكمة أولمرت بتلقي مئات آلاف الدولارات رشوةً من مقاولين في صفقة عقارية في القدسالمحتلة تعرف بصفقة «هوليلاند» حين كان رئيساً لبلديتها. كما قضى القرار بتغريم أولمرت بحوالى 290 ألف دولار. وأعلن محامي أولمرت أنه سيستأنف على القرار إلى المحكمة العليا (في غضون 45 يوماً) «لأن أولمرت يشعر بأنه بريء»، ما يعني إرجاء بدء تنفيذ الحكم الذي حدده القاضي يوم الأول من أيلول (سبتمبر). وهذه المرة الأولى التي يحكم فيها بالسجن على رئيس حكومة في إسرائيل، علماً أن «رئيس الدولة» السابق يقضي محكومية بالسجن بعد إدانته بالاغتصاب. وسبق لعدد من الوزراء أن قبعوا في السجن بعد إدانتهم بتلقي رشاوى. وتعمّد القاضي ديفيد روزين الكلام القاسي بحق رئيس الحكومة «الذي شغل المنصب الأكثر أهمية وحساسية وانتهى مداناً بجرائم حقيرة». وأضاف أن من شأن سلوك أولمرت أن يزعزع ثقة الجمهور بقيادييه وبنزاهة اعتباراتهم. وأردف أن «أعمال الفساد تلوث الخدمات العامة. هذه الجناية تتفشى وتقضم وتقوّض أطراً ومؤسسات عامة وحُكماً. هذه آفة تجعل من الخدمات العامة متعفنة من أسفلها إلى رأسها». وتابع: «الذي يعطي الرشوة هو رجل فاسد ومفسد. إنه يغري بالمال وبامتيازات أخرى الموظف ليدر إلى جيبه أرباحاً سهلة ومريحة على حساب المواطنين العاديين الذين ينتظرون خدمات أمينة من دون أن يعلموا أن في المؤسسة الخدماتية يتفشى العفن. أما من يقبل الرشوة فيثير التقزز واحتقار الجمهور ويتسبب في أن يكره الجمهور كل المؤسسات الخدماتية العامة. الموظف الذي يتلقى الرشوة أشبه بمن يهدم حجر الزاوية في عمله. إنه بمثابة خائن، خان الثقة التي منحت له، ثقة من دونها لن تكون خدمات عامة سليمة». وأثار هذا التوصيف ردود فعل غاضبة في معظمها، إذ إن القاموس الإسرائيلي يستخدم هذا التوصيف عند الحديث عن «خيانة» أمنية. واعتبر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الحكم على أولمرت بالسجن «يوماً حزيناً جدا». وقالت نائب أولمرت سابقاً وزيرة القضاء حالياً تسيبي ليفني إنه «يوم صعب عندما يصدر حكم على رئيس وزراء سابق»، مشيدةً بنزاهة الجهاز القضائي. وكان أولمرت اضطر أواخر عام 2008 إلى تبكير الانتخابات بعد توجيه شبهات بضلوعه في الفساد الإداري والمالي في ثلاث قضايا، وقضى السنوات الخمس الأخيرة يجول بين قاعة محكمة وأخرى حتى بات يعرف ب «أبو الفساد»، علماً أنه لقّب في بداية مشواره السياسي بأحد «أمراء ليكود» الواعدين إلى أن ترك الحزب لتطرف الأخير وانضم إلى آريئل شارون الذي أسس حزب «كديما» الوسطي، ثم خلفه رئيساً للحكومة عندما أصيب بجلطة دماغية، وبقي في هذا المنصب ثلاث سنوات. ورأى مراقبون أن العقوبة الصارمة بحق أولمرت من شأنها أن تشكل رسالة رادعة لأصحاب أعلى المناصب في الدولة تقول إن القانون لن يرحم أحداً ممن يخون الثقة. إلى ذلك، أفادت وسائل الإعلام العبرية بأن أولمرت سيبقى داخل السجن أيضاً تحت أعين عناصر «الشاباك» لمراقبته، وأنهم سيحددون له هوية السجناء المسموح الحديث إليهم، علماً أنه يملك أسرار الدولة العبرية، ولأجل ذلك ينص القانون على أن كل من شغل هذا المنصب، أو منصب وزير الدفاع يحظى بحراسة عناصر الشاباك مدى الحياة. وأولمرت يميني أساساً، لكنه انتقل (أ ف ب) إلى الوسط وبات مؤيداً لفكرة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية مقابل السلام، مع الاحتفاظ بكتل استيطانية في الضفة الغربيةالمحتلة. وبدأ سقوط أولمرت في تموز (يوليو) 2008 عندما أضعفته اتهامات الفساد حيث أعلن وقتها أنه لن يرشح نفسه لرئاسة حزبه كاديما (وسط) في الانتخابات الحزبية متخلياً بذلك بحكم الأمر الواقع عن رئاسة الحكومة التي تسلمها عام 2006. وبعدما وصل أولمرت إلى السلطة في آذار (مارس) 2006 على أساس مشروع طموح بترسيم حدود إسرائيل عبر انسحاب من طرف واحد، بات بعد سنتين على رأس لائحة رؤساء الحكومة الإسرائيليين الذين واجهوا أكبر مقدار من المتاعب مع القضاء. وكانت شعبيته تراجعت إلى أدنى مستوياتها بعد الانتقادات التي تعرض لها نتيجة سوء إدارته الحرب على لبنان بين 12 تموز و14 آب (أغسطس) 2006. وانتخب أولمرت عام 1973 نائباً على لائحة ليكود (يمين قومي) وكان أصغر أعضاء البرلمان. وكان من العناصر الأكثر تطرفاً الذين دفعوا في اتجاه إقامة المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي 1978، صوّت ضد اتفاقات كامب ديفيد التي سمحت بإعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 1967 إلى مصر مقابل السلام. شغل منصب وزير بلا حقيبة من 1988 إلى 1990، ثم أصبح وزيراً للصحة من 1990 إلى 1992 قبل أن ينتخب في 1993 رئيساً لبلدية القدس. وبقي في هذا المنصب عشر سنوات شجع خلالها حركة الاستيطان في الشطر الشرقي من المدينة. كما عارض اتفاق أوسلو الموقع عام 1993، والذي نص على الحكم الذاتي الفلسطيني. وقال أولمرت قبل سنوات عدة إن «اللحظة الأكثر إيلاماً في حياتي كانت عندما اكتشفت أن الحساب أقوى بكثير من تاريخ وجغرافيا إسرائيل، فإذا أصررنا على الاحتفاظ بكل شيء سيكون هناك 60 في المئة من العرب و40 في المئة من اليهود» على أرض فلسطين التاريخية. وأولمرت الذي يفتقر إلى الكاريزما كان وعد خلال حملته الانتخابية بترسيم حدود إسرائيل، عبر انسحاب جزئي من الضفة الغربية يأتي بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة صيف 2005 الذي كان هو من أبرز المتحمسين له. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس كشفت في مذكراتها أن أولمرت قدم في عام 2008 عرضاً سرياً يتضمن قيام دولة فلسطينية على أماكن مقدسة تكون تحت وصاية دولية. وكتبت رايس أنها دهشت عندما عرض عليها أولمرت هذا المشروع في أيار (مايو) 2008 خلال زيارة قامت بها لإسرائيل. وقالت رايس إن أولمرت كان مستعداً لأن يعرض على الفلسطينيين بقيادة محمود عباس حوالى 94 في المئة من الضفة الغربية مع تبادل أراض بمستوطنات إسرائيلية. ويتضمن العرض قيام عاصمتين، واحدة لإسرائيل في القدس الغربية وأخرى للفلسطينيين في القدسالشرقية مع مجلس مشترك برئاسة رئيس بلدية إسرائيلي ومساعد له فلسطيني.