يعلم الجميع ما حل بمدينة جدة في كارثتها الثانية من جراء الأمطار، والسيول، والفيضانات، وما نتج عن ذلك من أضرار ومآسٍ كارثية حقيقية وملموسة على أرض الواقع، طالت الأرواح، والممتلكات، وأوقفت الأفراح التي كان من المقرر إقامتها في إجازة الفصل الدراسي الأول، إلا أن هذه الفواجع لا تضاهيها المعاناة النفسية التي يعاني منها السكان حتى الآن، خصوصاً الذين كانوا في قلب الحدث من طلاب وطالبات، ومعلمين ومعلمات، وعمال، وسائقين، وغيرهم ممن كابد في معمعته، ونجا من نجا بلطف الله ورعايته، ومات من قضى نحبه، ومنهم من خسر منزله، ومنهم من شاهد وارتاع حتى أصبحت «فوبيا» الرعب قاسماً مشتركاً بينهم من أهم أعراضه القلق، والأرق، والأحلام، والكوابيس المفزعة، التي حرمت الأعين من النوم إلى الآن، ما ضاعف الحال النفسية لديهم، وأصبح الجميع بحاجة إلى فترة تطول أو تقصر لاستعادة حياتهم الطبيعية بصفة عامة، وتأهيل نفسياتهم بصفة خاصة. وفي ظل هذه العوامل يعيش الطلبة والطالبات الذين لم يكملوا امتحاناتهم للفصل الدراسي الأول قلقاً مستمراً، على رغم وجود الإجازة الاستثنائية التي منحها وزير التربية والتعليم لهم، عطفاً على أنها لفتة إنسانية، وتقديرية منه لأبنائه من الطلبة من الجنسين، فهي أيضاً فرصة لإصلاح المدارس المتضررة وتهيئتها من جديد، ليعاود الطلبة امتحاناتهم المتبقية والمقررة بأسبوع بعد أسبوع الإجازة المنحة، وأسبوع إجازة الفصل الدراسي الأول الرسمية، إلا أن إجازة الأسبوعين ظلت حبيسة النفسيات القلقة والمضطربة، من هول الكارثة، وضغط الاستذكار ومراجعة الدروس، وبهذا فهي لم تؤدِ هدفها الترويحي، أو الترفيهي، أو التنشيطي، ومن هنا فقد فقدت نكهتها كإجازة يستمتع بها في الراحة، أو التغيير، أو التنشيط البدني، والذهني، واستشعار الحيوية، ومعنى مرور فصل دراسي أول من تحصيلهم التعليمي، فلم يخرجوا من منازلهم بفعل ظروف الكارثة التي جعلت من جدة مدينة حزينة تبكي موتاها ومفقوديها، وبفعل ضغط الاستذكار، كما أسلفت، وبفعل النفسيات المتألمة، وبفعل انقطاع الأمل لديهم في الاستمتاع بإجازة بعد الامتحان، يستعيدون فيها حيويتهم، ويرممون فيها نفسياتهم المريضة، فهم يعتبرون إجازة الأسبوعين الماضيين، إجازة مرضية للخروج من حالاتهم النفسية المتأزمة، لذا فهم يرجون من وزير التربية والتعليم، الذي بلا شك هو خير من يقدر الظرف الاستثنائي الذي عاشوه أن يمنحهم إجازة لمدة أسبوع، أو ما يقدره ببعد نظره، ورؤيته التربوية الشاملة بمعناها النفسي والتعليمي، لاستغلالها في الترويح عن أنفسهم، لتكن بمثابة فترة نقاهة، ربما تنعكس على الأنفس إيجاباً أسوة بزملائهم في بقية المناطق الذين استمتعوا بإجازتهم بصورة طبيعية بالراحة، أو السفر، أو النزهة، والتغيير من أجواء الدراسة، والإرهاق الذي عانوا منه، ليعودوا إلى الدراسة في فصلهم الدراسي الثاني، بروح مختلفة ربما تنعشها الإجازة بمعناها الجميل الذي تعودوا عليه في إدخال السرور على نفسياتهم المترنحة بين الاضطراب والقلق، خصوصاً أن تجربة الكارثة الأولى العام الماضي، وعلى رغم أن الطلبة والطالبات كانوا في إجازة الحج، ولم يعيشوها في مدارسهم كما هي هذا العام، إلا أنها أضفت بمآسيها عليهم وكانوا مع عودتهم للدراسة في غاية التشتت والشرود الذهني، ما جعل معظمهم يغيب عن مقاعد الدراسة بمحض إرادتهم، وأثر سلباً على تحصيلهم، والحسم من درجات حضورهم، وكلهم أمل في أن يحقق لهم وزيرهم الوالد صاحب المواقف الإنسانية النبيلة، والنظرة التربوية البعيدة، بعين الاعتبار للظروف الذي مر بها هؤلاء ومراعاة أحوالهم الاستثنائية، لتجاوز الحال الذهنية المتدهورة والمشتتة. [email protected]