دعا الصحافي والناشط السياسي الراديكالي الإسرائيلي غدعون سبيرو مناهضي الاحتلال الإسرائيلي في بريطانيا، في عموده الأسبوعي «خرقة حمراء» الذي ينشره في بضعة مواقع إلكترونية، إلى إقناع الكاتب البريطاني إيان ماكيوان برفض قبول «جائزة القدس» ما دام الفلسطينيون في القدسالشرقيةالمحتلة غير قادرين على ممارسة حقهم في الحرية. لكن سبيرو ظلّ واحداً من أصوات إسرائيلية قليلة أطلقت هذه الدعوة الصافية والصريحة التي سرعان ما ضاعت في لجّة أصوات كثيرة لم تأبه بهذه الانعكاسات منذ إعلان الهيئة المسؤولة عن منح تلك الجائزة، في أواسط شهر كانون الثاني (يناير) الفائت، إلى ماكيوان، والذي سيتسلمها في إطار المعرض الدولي الخامس والعشرين للكتاب في القدس في 20 شباط (فبراير) الجاري، وهو من تنظيم بلدية المدينة، التي تعتبر مؤسسة محورية في إسرائيل وأداة رئيسة لفرض الاستيطان اليهودي في القدسالشرقية. وتُمنح هذه الجائزة، وفقاً لبراءتها، إلى كتّاب تعبّر نصوصهم عن «فكرة حرية الإنسان في المجتمع». وكان الفيلسوف البريطاني برتراند راسل أول من فاز بها عام 1963، كما أنها مُنحت إلى سيمون دوبوفوار (1975) وميلان كونديرا (1985) وماريو فارغاس يوسا (1995) وسوزان سونتاغ (2001) وآرثر ميلر (2003). وفي عام 2009 منحت للياباني هاروكي موراكامي. وجاء في قرار لجنة التحكيم لهذا العام أن ماكيوان «عكس في كتاباته كفاح أبطاله من أجل حقهم في التعبير الفردي عن مُثلهم وعن حقهم في العيش بمقتضاها، في واقع يتسّم بالتقلبات السياسية والاجتماعية السريعة، الأمر الذي جعله واحداً من أكثر الأدباء الأجانب شعبية في إسرائيل». وقد تداولت وسائل الإعلام في إسرائيل هذا الموضوع، وأشارت صحيفة «هآرتس» الى أن منظمات مناصرة للفلسطينيين في بريطانيا طالبت ماكيوان بعدم زيارة إسرائيل لتسلم الجائزة، لكنها شدّدت على أن الكاتب نفسه أعلن في مقابلة خاصة أدلى بها إلى صحيفة «غارديان» أنه سيحضر مراسم تسليم الجائزة وأنه يشعر بفخر كبير لدخول «نادي الحاصلين عليها»، زاعماً أنه لا بُدّ من إقامة فاصل بين المجتمع المدني والحكومة في إسرائيل، وأن الجهة التي قررت منحه الجائزة هي إدارة معرض الكتاب الدولي في القدس وليس وزارة الخارجية الإسرائيلية. وأضاف أنه يعارض المستوطنين الإسرائيليين في المناطق الفلسطينية المحتلة، ويؤيد مطلب تجميد البناء الاستيطاني في تلك المناطق، لكنه في الوقت نفسه يعارض «حماس» وقيامها بعمليات إطلاق الصواريخ على إسرائيل. أمّا صحيفة «يسرائيل هيوم» اليمينية المقربة من أوساط رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو فأبرزت أن ماكيوان يتبنى مواقف مؤيدة لإسرائيل، وهذا ما تجلى بوضوح في تجنّبه الانضمام إلى حملة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل، التي تشهد نشاطاً محموماً في بريطانيا تحديداً. وأشارت إلى أنه في عام 2008 وفي أثناء مؤتمر عُقد في جامعة مانشستر، حرص ماكيوان على إبداء شعور بالتعاطف العميق إزاء إسرائيل، مؤكداً أن «الفلسطينيين لم يكابدوا على الإطلاق بقدر ما كابد اليهود»، وأن «ثمة انغلاقاً حيال إسرائيل لا يجوز التساهل معه». واهتمت بأن أعادت إلى الأذهان تصريحات نطق بها إزاء الأصوليين الإسلاميين، ولا سيما في سياق مقابلة مع صحيفة «كوريري دي لاسيرا» الإيطالية عام 2008 شنّ فيها هجوماً حاداً على هؤلاء الأصوليين، مؤكداً أنه يحتقرهم ويمقت مجتمعهم في أوروبا، وذلك في نطاق دفاعه عن رأي كاتب صديق له (مارتن أميس) سبق أن اتهمهم بأنهم «لا يحققون رجولتهم إلا عندما يفجرون أنفسهم». وقد ردّ على اتهام صديقه بالعنصرية قائلاً: «هذا سخيف ومرفوض أخلاقياً. أميس ليس عنصرياً وأنا نفسي أحتقر الأصوليين لأنهم يريدون بناء مجتمع أمقته». وتعقيباً على إشارة الصحيفة إلى وجود مدارس أصولية داخل المسيحية أيضاً في الولاياتالمتحدة مثلاً، قال ماكيوان: «إنها سخيفة أيضاً... أنا لا أحب تلك الأفكار القادمة من القرون الوسطى». الترجمات العبرية وقد تُرجمت عشرة كتب لهذا الكاتب إلى اللغة العبرية، منها: «تكفير» و «أمستردام» و «يوم السبت» و «عزاء الأجانب» و «على شاطئ تشيزل». وبالنسبة الى إسرائيل، فإن قرار منحه الجائزة جاء بمثابة تغطية على حدث تزامن معه، تمثل في الزيارة التي قام بها المخرج السينمائي البريطاني كين لوتش إلى رام الله، والتي أكد خلالها أنه يجب الحرص على أن تصبح إسرائيل دولة منبوذة، وعلى تطوير حملة مقاطعتها لتشمل المقاطعة الاقتصادية أيضاً، وأن الوقت الحالي ليس وقت التزام الصمت أو صناعة أفلام تتغاضى عن الواقع. وفي الوقت ذاته، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تدأب في معظمها على إبراز أصوات المثقفين البريطانيين التي تعارض مقاطعة إسرائيل، وكان في طليعتها في الآونة الأخيرة صوت الكاتب هوارد جيكوبسون الحائز جائزة «بوكر» عام 2010، والذي انطوى كتابه «مسألة فينكلر» على نقد صارم إزاء من سمّاهم «المقاطعين الأوتوماتيكيين» لإسرائيل في صفوف النخب البريطانية. مأساة القدس وبرأي سبيرو، فإن لطخة لحقت ب «جائزة القدس» منذ عام 1967 الذي تم فيه احتلال القدسالشرقية الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل خلافاً لأحكام القانون الدولي، وهو ما أفضى إلى جعل سلطة الاحتلال والتمييز والأبارتهايد جزءاً من الواقع اليومي في المدينة. وبمرور الأعوام، فإن الفجوة بين ادعاء المسؤولين عن الجائزة التطلع إلى إعلاء شأن قيمة حرية الإنسان في مجتمعه وبين واقع القهر وقمع حقوق الإنسان آخذة في الاتساع. وكان بعض الكتاب اليساريين الذين قبلوا الجائزة قد داعبه الأمل بأن يساهم قبوله لها في تغيير هذا الواقع بواقع مغاير من السلام والمساواة والحرية، غير أن ذلك لم يتحقق فحسب، بل إن مخططات نهب أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم تفاقمت أكثر فأكثر في نطاق عمليات تهويد القدس وتطهيرها من الفلسطينيين. وينسجم هذا الحكم مع آخر التطورات المرتبطة بموضوع القدس، الذي عاد مرة أخرى إلى رأس أولويات الأجندة الإسرائيلية. وتشي آخر مخططات الاستيطان في المدينة بالنيات الحقيقية لإسرائيل إزاء الأيام المقبلة، وخصوصاً إملاء أحادي الجانب لواقع بعيد الأثر على الأرض، عوضاً عن حل يتم التوصل إليه حول مائدة المفاوضات. إن الصورة العامة للأوضاع في القدس يمكن أن تجملها فقرة واحدة من آخر تقرير صادر عن جمعية حقوق المواطن في إسرائيل في شأن معاناة الأهالي الفلسطينيين فيها تحت وطأة ممارسات المستوطنين والبؤر الاستيطانية ومؤازرة السلطات الإسرائيلية لهم، وورد فيها: «إن مَن يتجوّل في الأحياء الفلسطينية في القدسالشرقية في الأعوام الأخيرة، لا سيما في الأحياء القائمة حول البلدة القديمة، لا يستطيع إلا أن يرى مزيداً من المواقع المحاطة بالأسوار التي يقف على مداخلها حراس مسلحون. في هذه المواقع المقامة داخل الأحياء الفلسطينية المبنية باكتظاظ شديد يعيش الآن ألفان من اليهود وتنشط فيها عشرات المؤسسات العامة التي تقدم لهم الخدمات. والحديث هنا لا يدور على استيطان عشوائي وإنما على مشاريع مدروسة ومخططات لجمعيات سياسية هدفها المعلن هو تهويد القدسالشرقية. إن الوجود الدائم لهؤلاء الجيران الجدد المحميين بحراسة مسلحة دائمة هو وجود ذو انعكاسات كثيرة على نسيج الحياة في الأحياء العربية، إذ تنشأ احتكاكات كثيرة بين المستوطنين اليهود والسكان الفلسطينيين، وقد انتهت اكثر من مرة بأحداث عنيفة واعتقالات وإجراءات قضائية موجّهة في غالبيتها ضد الفلسطينيين». * كاتب فلسطيني مقيم في حيفا