عندما ضربت طائرتان مدنيّتان البرجين المزدوجين ل «مركز التجارة العالمي» في نيويورك، وضربت ثالثة مبنى البنتاغون، وهوت رابعة في حقل بولاية بنسلفانيا، ركّزت الميديا العالميّة اهتمامها آنذاك على ذلك الحدث وأخباره. وأعيدت القصة مع كل ما تراكم عليها، على مدار الساعة، لأيام وأسابيع، خصوصاً عبر أجهزة التلفزة التي ثابرت على نقلها إلى عيون شاهدتها مراراً وتكراراً. وبات كل إخبار يمثّل إعادة إخبار، خصوصاً في التغطية التلفزيونية لذلك الحدث الإرهابي. ولربما قضت العبقرية الجهنمية للمخطط الإرهابي بأن تصدم الطائرة الثانية البرج، بعد تنبّه وسائل الإعلام إلى الضربة الأولى، ما ضمن مشاهدتها عالميّاً. وشيئاً فشيئاً، صارت إعادة الإخبار عنها أمراً «مألوفاً»، من شدّة التكرار. وصار حضورها بصرياً يترافق مع موسيقى خاصة بها، وباتت مواد بصرية متنوّعة ترافق بثها على شاشات التلفزة. وآنذاك، بدت المقابلات التي صاحبت ذلك البث، كأنها تسير وفق معادلة محددة. وسار التلفزيون ضمن شيء من «التوازن» والجدية. ومع التكرار وظهور أثر الزمن، باتت العيون تنتظر إعادة الإخبار ومشاهدها، كأنها أشياء تنتمي إلى فئة «الأخبار التي تظهر كترفيه بصري»، على رغم محتواها المأسوي. سرعان ما ظهر شيء آخر، تمثّل في مشاهدة الحدث عينه عبر الإنترنت التي قدّمت الحدث عينه، بأثر من ذائقة بصريّة مختلفة، إذ صُنِعَتْ عروض بشرائح ضوئيّة بطريقة «باور بوينت»، تمزج بين صور منتقاة من أمكنة متنوّعة، مع تعليقات على الشرائح المعروضة. وأضاف آخرون إلى الصور، رسائل من أنواع مختلفة. ومزج بعضهم الصور والأشرطة عن 11/9 مع موسيقى ومواد صوتيّة مختلفة. باختصار، ظهرت صور غير عادية تشير إلى ثقافة مختزنة من نوع آخر، باتت ترسم خيالها عن الحدث عبر الإنترنت. وتجمّعت مواد على ال «ويب» عن حدث شغل العالم، بل إنه غُطي بكثافة تفوق التصوّر من جانب التلفزة وفضائياتها وشبكاتها. ليس ما سبق مديحاً للإنترنت على رغم أن الذين يدعمون ذلك النوع من حرية التعبير ربما مالوا إلى امتداح تلك الشبكة. وعلى غرار التجربة مع التصوير الفوتوغرافي في عهود ماضية، مكّنت الإنترنت الناس من التقاط صورهم الخاصة عن ذلك الحدث. وراهناً، صار الخليوي وكاميراته وأشرطته تؤدي ذلك الدور أيضاً. وعلى غرار ما يتعلّمه الأطفال في باصي «فقط فكّر!»، مُزِجت الصور بالكلام وبالصوت. وعلى عكس التقنيّات البسيطة في التقاط الصور، تتيح الإنترنت صنع الابتكارات ومشاركتها مع أعداد هائلة من الناس. ويشكّل ذلك الملمح شيئاً جديداً في الثقافة، مفاده أنه من المستطاع التقاط الثقافة البصريّة بصورة ميكانيكية. ولا يتوقف الأمر عند القول أن الحوادث يمكن حملها في مواد بصرية تحمل تعليقاً ونقداً، بل أيضاً أنّ مزيج الصور والأشرطة والصوت والموسيقى والتعليق، بات قابلاً للنشر عالمياً عبر بثّه فوريّاً على الإنترنت. إذاً، يرى طفل الزمن الرقمي المعاصر الحدث عبر «عين» الإنترنت. وتتولى الشبكة وأشرطة «يوتيوب» والصور المتبادلة عبر البريد الإلكتروني وغيرها، صناعة خياله عنه. ثمة فارق هائل، ربما لا يعبر عنه الطفل بالكلام، عما يرتسم في مخيلات الطفولة الرقميّة، وبين ما عاينته أعين الأهل على شاشات الفضائيات المتلفزة. أي أثر تتركه تلك الأمور على علاقات الطفل بأسرته، وبالسياسة ومجرياتها وبالقيم المتصلة بهذه الأشياء؟