ترتفع الأصوات بين كثير من المشاهدين المصريين منتقدة قنوات بعينها يتهمونها بعدم «الحياد» في نقل الأخبار عن المشهد المتصاعد بعنف في القاهرة، لكن هذه القنوات قد لا تلام بنفس القدر الذي يلام به ما يقرب من 90% من الصحافيين المصريين المؤثرين في الشارع بسبب إحجامهم الغامض عن توضيح الحقيقة، فهؤلاء يبدون في حالة فصام غريبة، لا يمكن معها تحديد توجههم أو انتماؤهم الحقيقي، رغم أن الكثيرين منهم أو بعض ممن مازال لديه قدراً من الحضور في الشارع ، يظهر على شاشات الفضائيات، عكس ما يبطنه في حقيقة الأمر. «الحياة» حاولت التواصل مع كثير من هؤلاء ومن بينهم رؤساء تحرير صحف قومية ومستقلة، لنقل حقيقة المشهد الإعلامي المصري، لكن الغالبية أختفوا من المشهد وعلى رأسهم مجدي الجلاد – رئيس تحرير المصري اليوم، وائل الابراشي – رئيس تحرير صوت الأمة - مصطفى بكري – رئيس تحرير صحيفة الاسبوع - خيري رمضان مقدم برنامج «مصر النهاردا» والصحافي في الأهرام، تامر امين بسيوني – مقدم برنامج «مصر النهاردا» - اسامة سرايا – رئيس تحرير صحيفة الأهرام». ربما الوقت والظروف التي تمر بها مصر الآن تستوجب استحضار موقف بعضاً من هؤلاء في أزمة مصر مع الجزائر، وتباري كثير منهم في إشعال الخلاف بين الدولتين، عبر العزف على وتر الوطنية، والبكاء تحت أقدام الوطن، وكرامة الوطن، لكن هناك من آثر الصمت واختفى، وغاب في مكان مجهول. ما تبقى منهم استطلعنا رأيه في التحقيق التالي، لينقل المشهد ويقدم قراءة لكواليسه. رئيس تحرير صحيفة «نهضة مصر» محمود نافع قال ل «الحياة»: «حدث اختطاف للمشاهد المصري من قنوات بعينها، لكن التلفزيون الرسمي المصري يتحمل النصيب الأكبر في ذلك، لأنه اضطر مشاهده الذهاب نحو هذه القنوات لمتابعة الأحداث الجديدة كلياً عليه، وهناك قنوات لم تكن تعمد التهييج بنفس أسلوب قناة الجزيرة، لكنها اعتمدت طريقة وضع السم في العسل مثل بي بي سي العربية، فهذه القناة كانت بشكل أو بآخر، تصور الأمر وكأن مصر تحترق»، سألته «الحياة»: «ألم تحترق مصر بالفعل؟»، فأجاب: «لا خلاف في ذلك لكن كانت الأمور من الممكن أن تصبح أكثر اتزاناً مما انتهجته هذه القنوات». وحول قراءته لدور الإعلام المصري في إدارته للأزمة أوضح نافع: القنوات الفضائية الخاصة المصرية كانت أكثر استجابة وواقعية من التلفزيون الرسمي، خاصة بعد منتصف ليلة 25 يناير، بعد أن اتضحت معالم مطالب الشباب، وبدأت كل التيارات السياسية المختلفة في ركوب الموجة، بعد ذلك رأينا الأمور تتصاعد وتتلاحق إلى أن جاءت جمعة الغضب يوم 28 يناير، بينما كان ميدان التحرير يكتظ بالشباب، والأمن يتصدى للجماهير الزاحفة ويطلق القنابل والهراوات، كان التلفزيون المصري يقول باستخفاف أن عدد المتظاهرين 100 أو200، وكان يبث برامجه بشكل اعتيادي، ولم يغطي الحدث على مدار الساعة، بينما القنوات الأخرى من يوم 25 خصصت الوقت الكافي لتغطية المظاهرات، في هذه الفترة، كان كل المواطنين المصريين أو معظمهم يتابعون الحدث، ويتساءلون من نصدق؟ هل نصدق القنوات الرسمية التي تهون من الأحداث؟ أم نصدق قناة الجزيرة التي تهول في عرضها لهذه الأحداث؟ ولا أخفيكم سراً أن كثير من المصريين أصيبوا بالاكتئاب، من فرض تصوير ما يحدث بشكل مبالغ فيه، لا ننكر هنا حقيقة وجود تخريب، ولا ننكر كصحافيين مصريين وجود مبالغة من الأمن في رد فعله مع المتظاهرين، لكن غاب شيء هام هو أن الغضب الأساسي قادم من شباب بلا أي لون سياسي، لكن بكل أسف كانت هناك قوى داخلية تتعمد التصعيد، كانت تشكل اللوحة التي تريد أن تراها قناة الجزيرة، و لا ألوم هنا الجزيرة فهي في الأخير قناة غير مصرية، ولكني ألوم التلفزيون الرسمي الذي هون ولم يعرض الواقع كما هو، والمشاهد المصري عاقل وراشد وخصوصاً أن الأزمة بينت لنا أن كثيرين ومنهم الشباب هم أشخاص سياسيون من الدرجة الأولى، ووطنيون في تعاطيهم مع تطورات الأزمة. وحول ارتفاع أو انخفاض أداء الإعلام المصري مع زيادة التوتر في الشارع المصري قال نافع: «الناس كانوا يبحثون عن الأخبار، كانوا يريدون معرفة الحقيقة، وبعد أن هرب السجناء وانتشرت البلطجة في الشارع وبدأت تهدد أمن الجميع، بدأت القنوات الرسمية تنتبه وتتعامل مع الواقع إلى حد ما بما يتناسب مع حجمه الطبيعي»، وتابع: «قنوات مثل الجزيرة كانت تتعمد مثلما اتضح للجميع، ترويج مخطط تتبناه الولاياتالمتحدة وبريطانيا وإسرائيل وأخيراً تركيا، لتحويل مصر في غمضة عين إلى مجرد جمهورية من جمهوريات الموز، إضافة إلى بعض الدول الصغيرة التي هي في الحقيقة دويلات بلا جذور، تسعى جاهدة أن يكون الدور المستقبلي لها، وبالتالي من مصلحتها أن يختفي دور مصر إلى الأبد حتى تلتئم جراحها، لقد شعرنا بأنها زفة وفرح يدق لها الطبول، والدليل أن مطالب الشباب قام الرئيس مبارك بتلبيتها، لكن بعدها وعبر قناة الجزيرة أيضاً، ارتفع سقف هذه الطلبات، كنوع من لي ذراع الحكومة وإحراجها، ومع الأسف كانت القنوات المصرية الخاصة تمضي في نفس نسق الجزيرة، كانت تستنطق من تستضيفهم، ليقولوا ويهللوا بضرورة الرحيل، بينما بدت الجزيرة وكأنها دولة الجزيرة، تقوم بحرب شرسة وتصفية حسابات مع مصر، وتلمسنا أن هناك إصرار وترصد على الهدم، وأن لا تقوم لمصر قائمة بعد ذلك، وأصبحت تركز أكثر على العناصر التي ضيرت بسبب بيان الرئيس الأخير، واستجاباته لكل مطالب المعارضة، وتغلغلت وسط المتظاهرين في ميدان التحرير، المليء بكل التيارات من إخوان وجماعات سياسية، وهم أنفسهم وقعوا في فخ الجزيرة بأنها أوهمت كل طرف بأنه الأحق في السلطة، فسعى كل فريق لخطف السفينة وتوجيهها حسب بوصلته، وتفصيل الأمر على مقاسه، والنتيجة هي ما نراه الآن على أرض الواقع، لكن، كثير من الشعب فطن لحقيقة المخطط التدميري، وفطن إلى أنه يتم عجن المنطقة العربية كلها، وكأنها قطعة من الصلصال يعيدون تشكيلها، ورسم خريطتها على طريقة المكعبات، والريموت كونترول حتى الآن لا نعرف في يد من». أما الصحافي في صحيفة «الجمهورية» مصطفى الكيلاني فيرى أن تغطية قناة العربية كانت لصالح الحكومة المصرية حتى يوم 28 يناير «كنا نشعر كصحافيين بأنها غير متوازنة، خاصة في الأيام الثلاثة الأولى من المظاهرات، لكن بعدها تم تعديل بوصلة التغطية لصالح الشباب الواعد – على حد قوله - « مضيفاً بغضب أن «قناة الجزيرة قدمت شكلاً من أشكال الغباء الإعلامي، وتجاهل بصورة كاملة مطالب الشباب، لكن بعد انطلاق المظاهرات أصبح هناك تحيزا لصالح الشباب وبدا ذلك واضحاً في تغطياتها اللاحقة والحالية». فيما كشف مدير مكتب «الحياة» في القاهرة محمد صلاح عن حجم العقبات التي يواجهونها في أداء عملهم، قائلاً: «لنا أسبوع ننام في المكتب، ولكم تخيل حجم المعاناة التي نواجهها، فنحن غير قادرون على التحرك، وقد تعرضت شخصيا للتهديد على الطريق الدائري حول القاهرة، حينما استوقفني بعض قطاع الطريق، لكنني بفضل الله نجوت منهم» وعن قراءته للمشهد حالياً قال صلاح: «نصيحتي هي عدم استفزاز المواطنين، نسبة الأمية في مصر أكثر من 58% وهو ما يوحي بأن تصرفات الجهلة كثيرة، 85 مليون مصري نصفهم جهلة، بفعل النظام، حين ينفجر الوضع، لكم أن تتخيلوا حجم الدمار، عوضاً عن أن نسبة 10% من الشعب بلطجية، يروعوا ال80 مليون» ويكمل: «هناك خيانة وقعت، خيانة من المسؤول عن قرار سحب الشرطة، خيانة للنظام والشعب والوطن وخيانة للشرطة نفسها، ضباط ذبحوا، بواسطة السجناء، وضباط شرطة أطلقت عليهم قذائف ار بي جي أنا اعرفهم شخصياً، أقسام الشرطة كانت مليئة بالأسلحة،كلها نهبت، الآن القاهرة بل مصر كلها مفتوحة للذي يريد أن يفعل شيئاً يفعله». وأضاف: «أما قناة الجزيرة فهي قناة من طبعها التسخين، وهي مدرسة صحافية، وقرار إيقافها في مصر كان أكبر خطأ، وعموماً لا استطيع أن أتهم أي وسيلة إعلامية بالمؤامرة».