أصدر الروائي والناقد أحمد الواصل إصدارين جديدين يتزامنان مع إطلالة عام 2011، الأول «ما وراء الوجه: سياسات الكتابة وثقافات المقاومة» الصادر عن «الدار العربية للعلوم، وجاء هذا الكتاب كأنما قراءة مسبقة للأحداث التي تمر بها المنطقة العربية حالياً، إذ يتحدث فيه مستشفاً مسبقاً حالة «غضب الشباب العربي» بوصفها حدثاً سيؤثر في المجتمعات العربية. والكتاب الثاني رواية عنوانها «وردة وكابتشينو» صدرت عن دار الفارابي وتناول فيها الرجل الجديد وموقفه من قضايا المجتمع، وأهمها الوعي الحقوقي للمرأة الذي تطور بشكل لافت. «الحياة» التقته فكان هذا الحوار. ما الدوافع وراء اختيار عنوان «ما وراء الوجه»، وكيف يمكن ربطه بالعنوان الفرعي «سياسة الكتابة وثقافة المقاومة»؟ - العنوان بالتأكيد هو تعبير مجازي يحيل إلى المعنى غير المباشر، عما هو وراء التعبير وأنواعه سواء في الكتابة ام القول، وهنا أقصد دراسة لنماذج من الكتابة والقول الإبداعيين. ولعل اقتران كلمة سياسة بالكتابة هي محاولة لمعرفة أن للكتابة فناً التفافياً لا يقول الحقيقة المباشرة، وإنما يوحي بها كذلك هو مفهوم المقاومة في الثقافة - طريقة في التعبير عنها - ففي السياسة أداء وفي الثقافة أسلوب. ماذا نستطيع أن نطلق على «ما وراء الوجه»، هل هو دراسة أم بحث؟ - عادة، لي طريقة في تأليف الكتب. لا أخطط لكتاب بحجم كبير أبداً. وأشعر أن من يخطط لهذا يفشل حتى وإن كتب آلاف الصفحات. لكن تأليف الكتاب يبدأ من فصل أو قسم. أعده على أنه مجرد بحث ثم أشعر أن هناك ما يستحق الإكمال في الموضوع أو القضية. فأكتشف أنني أتممت الكتاب عبر أكثر من بحث تتحول إلى أقسام الكتاب أو فصوله. تبقى الدوافع في اللاوعي مستمرة. كتاب «ما وراء الوجه» بدأت أول فصل فيه عام 2006 ثم توالت الفصول حتى اكتمل عام 2009. ومنحت فرصة عرض أقسام الكتاب بصورة أبحاث في مؤتمرات ونداوت ودوريات محكمة. هل تتورط أطروحة الكتاب في سياق إيديولوجي معين؟ - الكتاب بفصوله يرتكز على (مفهوم الرفض) ضمن سياق علم اجتماع الثقافة، وهو سياق علمي محايد، فيمكن أن أعد مفهوم الرفض فعلاً مضاداً تحفزه المتغيرات الخارجية وتستنفره كطاقة مفعلة بالإيجاب، وتتحدد طبيعة الرفض بثلاثة أبعاد اجتماعية يتمثل أولها في قدرة النظام السياسي والاجتماعي والثقافي على طرح مشروع اجتماعي ملهم للشباب فتتشارك الطاقات باتجاه العمل لتحقيق الأهداف. بينما يتمثل البعد الثاني بعجز النظام السياسي والاجتماعي في إشباع الحاجات ما يؤدي إلى الانفصال بصورة جفوة بين الشباب وسياقهم الاجتماعي ومستوياته تخلق الصراع ويحتد بالتمرد بصوره المختلفة في صورة مقاومة اجتماعية وسياسية. فيما يرتبط البعد الثالث بآليات المواجهة وحيويتها في قهر النظام السياسي والاجتماعي للفئة الشبابية وتأجيل طاقاتها لتبديدها الذي يمكن أن ينقلب إلى انفجار يضر الجميع وهو مسيرة الاحتجاج والعنف الدموي كالعمليات الانتحارية والإرهاب المجاني (مبرراً وغير مبرر) !. لماذا انحزت إلى فئة الشباب وما حدود تمثيلها للمجتمع؟ - أعتقد أن الشباب يمثل قوى حيوية لأي مجتمع، والأكثرية في التعداد، ونحن في هذا القرن منذ أول عقد مر عليه تحسست أكثر من مؤشر لدور شباب هذا الجيل، وأنتمي إليه قبل أي أمر، وهي مؤشرات مؤثرة في قيادة تحولات كبرى للمجتمعات العربية. في رأيك ما المؤشرات الشبابية المؤثرة، وكيف كانت؟ - نستطيع أن نقيس مؤشرات أي تحولات مجتمعية عبر شبابه وشاباته. طفرة الكتابة في مجالات الشأن العام والثقافة التي انتشرت عبر المدونات والمنتديات والفيسبوك وتويتر، من ناحية ، ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن نغفل عن الطفرة الروائية الشبابية في السعودية عام 2005. حركة 6 إبريل 2008 في مصر. ثورة شباب تونس في 10 يناير 2011 . ثورة شباب مصر في 25 يناير 2011. تعود في «ما وراء الوجه» إلى نماذج مثل: المفكر عبد الله القصيمي والناقد عبد الله عبد الجبار وحمد الجاسر وعبد الكريم الجيهمان ما لذي ترمي إليه؟ - عودتي لهذه الأسماء للتمثيل والدراسة عبر جدوى الرفض عند كل من هؤلاء، ففي حين نرى في سيرة عبد الله القصيمي تحولات مذهلة من حالات الظلام إلى النور، بينما نرى الحالة الثورية عند عبد الله عبد الجبار تنقلب إلى نظرية المؤامرة، وهذا ما نجده عند عبد الكريم الجهيمان الحالة النقدية مستمرة حتى توقفه، بينما الحالة الفكرية عند الجاسر من نقدية الإعلام إلى تكريسية التراث. القسم الثاني كان من نصيب المثقفة السعودية، ما الذي قدمته عنها في هذه الدراسة؟ - حاولت أن أضع تجربة المثقفة السعودية في مسار التراكم التاريخي منذ كشف التعليم عن وجودها وانخراطها في الشأن العام بإنشاء مؤسسات المجتمع المدني التي تحولت إلى خيرية! بينما تخطت تلك المرحلة نحو الوعي السياسي المتمثل في أشعار بديعة كشغري وغيداء المنفى (هيا العريني) وفوزية أبو خالد ثم مرحلة متقدمة من الواقعية الاجتماعية في قصص أميمة الخميس وبدرية البشر ومنها إلى الوعي الحقوقي في الرواية الجديدة عند صبا الحرز من دون تجاهل الكاتبات في الشأن العام. «وردة وكابتشينو» ما الذي تطرحه في هذه الرواية؟ - في الرواية محاولة لطرح وعي الإنسان عن نفسه وموقفه منها، ودوره الاجتماعي والسياسي، وحق القبول والاختيار. من خلال قراءة مقتطفات من الرواية نجدك أفردت مساحة كبيرة للمرأة على رغم أن البطل رجل. ما الصورة التي يمثلها بطل الرواية عبد الرحمن وصديقه ماجد؟ - ربما هما يمثلان صورة الإنسان الجديد ولكنهما كأي إنسان آخر. شخصية متعب في الرواية هي الشخصية المشكلة المتوترة انتهى مصيرها إلى ما آلت إليه. بينما بطل الرواية أسهمت علاقته بصديقه ماجد وبأمه أن تنضجه. كأن للأم دوراً بطولياً على رغم أن البطل فقدها فجأة فعادت في الأسطورة؟ - كنت قرأت طقس «القيس» باعتباره من الموروث النسوي الحجازي، وكان لا من بد استثماره سردياً لكونه يمثل حالة نسوية بامتياز تستخدم الأقنعة الرجولية لتؤكد جدارتها بإدارة المجتمع في غياب الرجل، فهي حالة تؤكد أن الوظائف مشتركة بين الذكر والمؤنث. توحي بالتبادل الرمزي بين الأنثوي والذكوري ليس على مستوى الجنسانية بل بما هو يشمل الكون. تطرح الرواية مسائل صعبة على المجتمع من الناحية الثقافية والأخلاقية والدينية؟ - طرحت الرواية أكثر من مسألة ولم تكن بشكل فضائحي وليس فيه تعريض أو إدانة أو استعراض. الموقف من المرأة . مفهوم الصداقة . الرغبة الجنسية. خلط الدين بالإيديولوجيات. انعدام البطولة وكلها مسائل تسيطر على مجتمعنا والمجتمعات المجاورة. هل يجب أن تحمل الرواية كل هذه القضايا؟ - الرواية ليست حكاية أحادية. إنها مشهد واسع من الحياة. لا يمنع أن تكون الرواية بوصفها فناً بنيت على قصدية في تحديد الشخصيات والأحداث والتركيبة السردية في الجملة والتعامل مع الزمن وأسلوب التتابع والتقديم والتأخير والترحيل. جاءت الرواية الجديدة بعد أربع سنوات من الرواية الأولى «سورة الرياض» ماذا بقي منك وما هو الجديد عندك؟ - كتبت الروايتين في عامين متتاليين بين عامي 2002-2003 لم يفصل بينهما زمنياً سوى عام أو أقل على وجه التحديد ولكن عندما أكتب النص الأساسي أتركه ثم أعود للتنقيح والإضافة ولكن أضع بيني وبين النص مسافة تفصلني عن الحالة الإبداعية نحو حالة «ما بعد الإبداعية». الجديد بالنسبة لي أنني تخليت عن «الانقباض اللغوي» فبدت اللغة أكثر سلاسة، إضافة إلى أن مساحة الحوار لها متطلباتها لرسم المشهد السردي . لكن بدت اللغة متحررة من الشعري نحو السردي. لن أعيد السؤال الذي يوجه إليك في كل حوار عن تعدد إصداراتك، ولكن أريد أن تخبرني عن دافع التنوع هذا من داخلك كيف يكون؟ - يبدو أن المسألة تركيبة شخصية يمكن تعميمها بالتشابه وربما لا يمكن تعميمها. تتراءى لي النماذج المشابهة ولكن يهمني «مسألة الإجادة في الكتابة» سأقول أن لكل حالة إبداعية جنس كتابة في الشعر أو السرد أو التصوير أو الرسم. ولكل حالة نقدية شكل في الكتابة النقدية أو الفكرية.