في وقت تتصاعد فيه قيمة الذهب يوماً بعد يوم، لم يدر بخلد الأرملة مها أن «خاتمها» الثمين المحتفظة به لنائبات الدهر وساعة العسر والعوز والحاجة الملحة ستدفعه ثمناً لجرعات تطعيم تقي أطفالها مما أصابهم جراء اقتحام السيول منزلها في حي قويزة. وأجبرت كارثة السيول التي دهمت محافظة جدة أخيراً مها على بيع «خاتمها الذهبي» ب300 ريال، بهدف تطعيم ثلاثة من أطفالها بعد أن دمرت المياه جميع ممتلكاتها داخل منزلها في شارع «جاك». وعاشت «مها» وضعاً نفسياً متأزماً مع فلذات كبدها أثناء اقتحام المياه غرفهم المتواضعة التي ظلت محاصرة حتى صباح اليوم الثاني للكارثة ولم تحل أزمتها إلا بعد تدخل جيرانها لإنقاذها. ولم تضع الأرملة (المضطرة لدفع آخر ما تملك من مدخراتها) في حساباتها أن السيول ستغمر منزلها للمرة الثانية على التوالي، إذ أدخلت المياه التي نخرت منزلها الرعب إلى قلوب أطفالها الخمسة، فيما احتجزت إحدى بناتها داخل أسوار جامعة الملك عبدالعزيز. ووصفت مها ل«الحياة» ذلك اليوم الحزين الذي دهمتها فيه السيول داخل بيتها بقولها: «كنت أراقب تساقط الأمطار وأنا في حال خوف من تكرار كارثة سيول عام 2009م، خصوصاً أن أطفالي كانوا نائمين داخل إحدى الغرف ما جعلني أعيش في قلق من مصيرهم في حال دخول السيل إلى المنزل». وأضافت: «بعد ساعة من هطول الأمطار دهمتنا السيول من طريق الأبواب التي أدت إلى هدم جدران المنزل، الأمر الذي تسبب في كسر ساقها بعد تعرضها ل«انزلاق» أثناء نقلها أطفالها بعد أن استولت المياه على جميع غرف منزلها»، وتابعت: «لم تمض سوى دقائق حتى انهار جزء من سقف المنزل، وبدأت في الصراخ خوفاً على أطفالي الصغار من الغرق واستنجدت بالجيران بعد أن اتصلت بالدفاع المدني لإنقاذي لكنني مكثت أكثر من24 ساعة محتجزة داخل المياه». وأشارت إلى أنها لجأت بأطفالها إلى إحدى الغرف التي تماسكت من الانهيار وسط إحاطة بالمياه من جميع الجهات، ومحاولات دفع منها للمياه عن أطفالها لكنها لم تستطع بسبب الكميات الكبيرة التي اقتحمت المنزل. ولفتت إلى أن جيرانها تمكنوا من إنقاذها وأطفالها، وتم نقلها بعد ذلك إلى إحدى الشقق التي منحت للمتضررين من إدارة الدفاع المدني لتؤوي أطفالها فيها. وأكدت أن الظروف المادية التي تعيشها وفقدانها لجميع ما تملك في مياه السيول أجبرتها على بيع «خاتمها» في محل لبيع الذهب بمبلغ زهيد لم يتجاوز ال300 ريال من أجل تطعيم ثلاثة من أطفالها بعد أن عجزت عن ذلك، مفيدة بأنها لم تتسلم حتى الآن أي معونات من الدفاع المدني بما في ذلك مبلغ الإعاشة، مشيرة إلى أنها لا تملك ما تصرفه على أطفالها سوى الضمان الاجتماعي الشهري، خصوصاً أنها لا تستطيع المراجعة بسبب تعرضها إلى كسر في ساقها بسبب السيول. وزادت: «أنا مطلقة ولدي خمسة أطفال ولا أملك سوى مخصصات الضمان الاجتماعي التي أتسلمها شهرياً ولا أستطيع إعادة بناء منزلي وتأثيثه، خصوصاً أن هذه هي المرة الثانية التي يتعرض فيها منزلي لأحداث التلف جراء كوارث السيول والأمطار التي شهدتها جدة».