صدرت حديثاً عن دار «رؤية» في القاهرة طبعة جديدة من الترجمة العربية لكتاب «الحكاية الخرافية: نشأتها، مناهج دراستها، فنيتها «لأستاذ الأدب الشعبي الألماني فون دير لاين، والذي نقلته عن الألمانية نبيلة إبراهيم (1929 – 2017). يرى المؤلف أن الحكاية الخرافية لا يمكن فصلها عن بداية المراحل الأولى للدين والقانون والتقاليد، فهي عون لا غنى عنه في علم الفولكلور وعلم حضارات الشعوب، إذ إنها تكشف تطور حياة الإنسان الروحية والاجتماعية والدينية، كما أنها تنتقل من شعب إلى آخر فتساعدنا على استكشاف بعض العلاقات بين الشعوب. وعلى رغم أن الحكاية الخرافية، كوفحت بما فيه الكفاية بوصفها حكايات العجائز، فإنها مع ذلك ظلت محتفظة بحيويتها وجدتها عبر آلاف السنين، لكنها عاشت عصر ازدهار في القرن السادس قبل الميلاد في بلاد الإغريق وفي الهند. أما عصر الازدهار الثاني فتزامن مع الحروب الصليبية، عندما، ظهرت مجموعة كبيرة من الحكايات الخرافية في الشرق ومن أبرزها مجموعة «ملتقى التيارات لمختلف الحكايات» للشاعر الكشميري سوماديو. كما تطورت في هذا العصر في مصر مجموعة حكايات ألف ليلة وليلة حتى استقرت على الصورة التي هي عليها الآن. وفي الغرب تضمنت مجموعات الأناشيد الدينية الكبيرة الكثير من الحكايات الخرافية ومنها أعمال الرومانس، والأساطير المذهبة. ويرى علماء الأساطير الطبيعيون والفلكيون في الحكاية الخرافية محاكاة للظواهر الطبيعية. في حين يرى الأنثروبولوجيون مثل تايلور، ولانج، أن مواضيع الحكاية الخرافية تصدر عن تصورات دينية. أما فرويد ومدرسته فقد فسروا الحكاية الخرافية بوصفها رمزاً للظواهر الجنسية. ويفرق فون ديرلاين بين الحكاية الشعبية والحكاية الخرافية، فالثانية بكل ما فيها من عناصر جادة أو هزلية، تعد أدباً، والأولى تمتزج بالواقع الحقيقي في أعمق أعماقه، وليس لها طابع أدبي صرف، كما أنها جادة في طابعها. ويتمثل أهم قانون ملحمي للحكاية الخرافية في تركيز الموضوع حول شخصية رئيسية، مثل ابن الملك في حكايات الحبيبة المنسية، لكن اهتمامنا يتجه أكثر نحو معرفة مصير الفتاة التي تسعى للفوز بابن الملك مرة أخرى. وحكايات الحيوان تنتشر في أنحاء العالم، محتفظة بمقدرتها على الحياة عبر آلاف السنين ابتداء من ملحمة جلجامش البابلية، ومن الإغريق حتى عصرنا الحاضر. وحكاية الحيوان تشرح وتحكي وتسلي وتعلم مازجة هذه الأغراض مزجاً بديعاً، وكان لها الفضل في انتشار فن الحكاية وتطوره. فهي تحكي عن سبب تسلق القرود الأشجار هنا وهناك، وعما جعل للأرنب البري شفرتين، وللسمك المفلطح فماً منبعجاً، وللسلحفاة ظهراً مفصصاً، وللغراب لونه الأسود، ولابن آوى لوناً مخططاً. ومما يذكر على سبيل التفسير أن السلحفاة طار بها النسر في السماء فسقطت، ولم يكن يسمح لها بالكلام ولكنها فعلت، وإن ابن آوى أراد أن يسرق الشمس، وأن الغراب الأسود حلت به اللعنة بسبب ثرثرته، وأن القمر صفع الأرنب على وجهه، لأنه أبلغ رسالة خطأ، وأن الأرنب ظل يضحك حتى تمزق فمه. ويعتقد الإنسان أنه اكتسب بعض الخصال والقدرات عن الحيوان. ويحكى في أميركا الجنوبية أن الإنسان سرق النوم من الضب الذي ينام دائماً، كما أخذ من حيوانات أخرى عظامها وجلدها، والإنسان يصنع ذلك دائماً من طريق الدسيسة أو الخيانة أو من طريق القوة، لأن الحيوان لا يعطي على الإطلاق ما لديه من ثروة طواعية. ويؤكد المؤلف أن عالم الحلم يتفق مع عالم الحكاية الخرافية في أمور عدة، منها: لا زمنيته، وفي التفكير السابق للمنطق، ثم هو يتفق على الأقل مع الحكاية الخرافية البدائية. ومن الممكن لأحلام الأدباء أن تكون عنصراً مكملاً لبحث له قيمته. وقد قال دوستويفسكي في روايته «الإخوة كارامازوف»،»إننا نقول حينما نرى حلماً –بخاصة إذا كان كابوساً- أن هذا ربما كان نتيجة تعب في المعدة. فإذا ما رأى الإنسان في بعض الأحيان أحلام يقظة على هذا النحو، فإنها تكون حقيقة صادقة وغاية في التعقيد. ومثل هذه الحوادث، بل ربما عالم مكتمل من الحوادث، يرتبط على نحو ما هو في الحلم، بالخفايا الدقيقة والتفصيلات غير المتوقعة، مبتدئة بأرقى صور خيالاتنا حتى أدناها، إلى درجة أن ليو تولستوي نفسه –وأنا أقسم على هذا– لم يكن لينجح في تصورها». ويتميز الحلم بازدحامه بالتجارب، فهناك الحلم الشهير الذي رآه رجل عاشق في عهد الثورة الفرنسية، وكان ينتمي إلى الفدائيين من أتباع روبسبير، فقد رأى أن المقتفين لأثره لحقوا به وجذبوه من فراشه وجروه فوق الطريق، تتبعه نظرات مستطلعة مضطربة مشفقة عليه، وبدأ الجلاد عمله وهوت المقصلة على رقبته. وعند ذاك استيقظ الحالم فرأى أن الجزء الأعلى من سريره قد هوى فوق رقبته. وترتبط الحكاية الهزلية بالحكاية الخرافية ارتباطاً وثيقاً، فهما تتوازيان في تطورهما في كثير من الأمور. فالحكاية الهزلية تختار مواضيع بعينها هي المواضيع المرحة، وهي نادراً ما تستخدم مواضيع يظهر فيها العالم الآخر. فإذا هي صنعت ذلك فإنما تصنعه بطريقة فكاهية، فعالمها إذاً عالم منطقي وليس هو عالم السحر في الحكاية الخرافية. وقد خصَّ المؤلف ألف ليلة وليلة بفصل حاول فيه أن يصل إلى ما يميز العقلية العربية من ميل إلى الإبداع القصصي، وما اكتسبته من سمات تشي ببصمات لكل من الرافد الهندي والرافد الفارسي على العقلية العربية. وتدين أوروبا في معرفتها بألف ليلة للمستشرق الفرنسي أنطوان غالان، الذي أخذ منذ العام 1704 في ترجمة الحكايات من العربية إلى الفرنسية، مغيراً فيها مرات عدة، ومرتباً لها وفق تقديره الخاص، كما اجتهد في أن يلائم بين الأصل الشرقي وبين ذوق عصره قدر الإمكان، بنجاح مذهل. وظهر، لاحقاً في فرنسا وألمانيا عدد لا حصر له من حكايات الجان الشرقية التي اتخذت ترجمة غالان لليالي نموذجاً لها.