نجلاء مطري تعرّف الدكتورة نجلاء مطري الحكاية العجيبة والشعبية والخرافية؛ لتتبيّن تأثيرها في الروايات التي طرحتها للدراسة، وأن الحكاية في اللغة: "هي ما يحكى ويقص، وقع أو تخيل والحكاية من المحاكاة"، وهي أحد مقومات القصَّة إذ يمثِّل مضمونها القصصيّ الذي تؤدِّيه الأحداث القائمة على التتابع واقعيَّة كانت أو متخيلة، وتنهض بهذه الأحداث شخصيات في زمن ومكان معينين، إنَّ مصطلح الحكاية الشعبية هو تعبير موضوعي واقعي، غير منقطع عن الزمان والمكان، حيث تجري في واقع تاريخي فعلي، وبطابع جدي، مما جعل بعض الباحثين العرب يسمونها (الحكاية الواقعية) على غرار المصطلح اللاتيني المتداول في الغرب، وتتحدَّد أهم عناصرها التجنيسية المخصوصة بها، في الوعي بمفارقات الحياة الواقعية، والارتباط بها، وإعادة تشخيص المواقف التي حدثت فيها من أجل المعرفة، وكشف الحقائق المجهولة وغرابة الواقع الحسي المألوف،، ومن هنا يؤخذ هذا النوع من القصص الشعبي على مأخذ الحقيقة والجدِّ، علمًا بأنَّ الحكاية الشعبية تتميز ببساطة بنائها ومحدودية وحداتها الوظيفية، كما تتنوع أشكالها وأصنافها بصورة لافتة للانتباه، مَّما ينزع عنها ثبات صفة التكرار الملازمة لأشكال وبنيات الحكاية العجيبة كما هو معروف، إنَّها نمط من أنماط الأدب الشعبي الذي يعدُّ جزءًا لا يتجزأ من الفولكلور أو المأثور الشعبي، مأثور اتَّسم بالتداول والمرونة والانتشار بين الشعوب عن طريق الرواية الشفوية التي تحاكي أحوالهم الاجتماعية وتصوِّر مظاهر حياتهم، وهي تدفع بأبطالها إلى عوالم غريبة، كعالم الأشباح، وهم عندما يخوضون غمار هذه العوالم يعون ذلك، ومن ثمَّّ، فهي تثير الفزع والخوف والرهبة، وأن رغبة الإنسان في تواجد الشخصيات غير الواقعية في حياته تعكس رغبته في حل مشاكله، ومن أبرز المدونات الروائية المدروسة والتي نلمحُ فيها الحكايات الشعبية في روايات خيري عبدالجواد "كيد النساء" ولؤي علي خليل "عين جورية" ويحيى ام قاسم "ساق الغراب" وعبده خال "الطين". كما ترى مطري أن مصطلح الحكاية الخرافية يحيلُ إلى نوع سردي شعبي وهو (الخرافة) حيث الاهتمام بترميز الطبيعة بكلِّ مكوناتها ذلك أنّ هذا العالم السحري المجهول (هو) من أهم الخصائص الشكلية للحكاية الخرافية، وقد ربط كثير من الباحثين بين الحكاية الخرافية والحلم، فالزمن يتحوَّل إلى زمن لا منطقي متداخل، ويخرج عن الصرامة والمعقولية اللتين يضبط وفق معياريهما الزمن التاريخي، فتتداخل فيه الأشياء، وتنجز المهمَّات الضخمة في وقت وجيز خاطف، فأحداثها تبدأ في زمان ما بمجرَّد أنها لا بد أن تبدأ في زمان محدَّد، حيث الجهل بالحدود التاريخية للأحداث بحيث يزيل من الذهن كل الأبعاد الزمانية، ويجعل الحكاية كأنها حدثت في اللازمان، أيّ كأنها بالقدر نفسه لم تحدث، وإنما هي واقعة نفسية، كما يتصف الزمن في الحكاية الخرافية بكثرة الاختزال والحذف والاستباق، ويكرِّس مصطلح الحكاية الخرافية المستقى من المصطلح التراثي (خرافة) للدلالة على مايسميه بعضهم ب (حكاية الحيوان- الحكاية الرمزية) ذلك أنَّ مصطلح (حكاية الحيوان) غير شامل ومنحصر في عالم الحيوان، في حين ان مصطلح (الحكاية الخرافية) يشمل جميع مظاهر الطبيعة ومكوناتها كلها من حيوان وغير حيوان، وهي نوع آخر مختلف عن الحكاية الشعبية ذات مكونات أجناسية مميزة لها، تتحدَّد في شدة قصرها المطرد وفي بساطة بنائها المهيكل على أساسين اثنين، تعرض في الأول الحادثة المجسدة للمغزى، ويركِّز الثاني الموقف الأخلاقي المباشر، كما أنَّ أبطالها غالبًا بلا أسماء، وعددهم قليل، وغالبًا ما يتعلَّق الأمر ب (المعتدي، الضحية، الوسيط) وهم إما من الحيوان أو النبات أو الجماد أو الظواهر الطبيعية كالشمس والريح.. والأبطال فيها يؤنسنون بإسقاط الخصائص البشرية عليهم على الرغم من احتفاظهم بالسمات الطبيعية الأصيلة فيهم، بل قد يكون البشر أحيانًا من أبطالها أيضًا، وهو "يعيشُ تجاربه بدون عالم داخلي، ولا يتوقَّف نجاحه على خصاله، بل يتوقّف على ظهور القوى المانحة والمساعدة له: ومن هنا نرى أهمية ظهور القوى المانحة أو المساعدة أو ظهورهما معا في الحكاية الخرافية"، كما تتميز الحكاية الخرافية على المستوى الدلالي والوظيفي بكونها ترمي دائما إلى التربية الخلقية والوعظية أساسًا عبر تجسيد الحكم والأمثال والمواعظ والأقوال المأثورة السائرة، وما أشبه مما يتطابق والتجارب الإنسانية المتوارثة، ويكرِّس القيم المثالية النبيلة. وتقوم مطري من خلال تعريف مصطلح الحكايات الخرافية بإدراج الحكايات الرمزية ضمن الحكايات الخرافية؛ ذلك أنَّ الحكاية الرمزية شكل تعبيري ذو أصل أدبي، له تأثير واسع في الأدب الشعبي، وهي تتخذ عادة شكل حكاية خيالية ترمي إلى إبراز مغزى خُلقي، وفي الغالب يلقى هذا المغزى على لسان الحيوان مثل "كليلة ودمنة" وحكايات اليوناني (آيسوب)، وترى أنه من الصعب التفريق بين الحكاية الرمزية والحكاية الرسمية لأنَّ الكل يوظفها لمصالحه، وأن مدار الحكاية الشعبية واقعي اجتماعي خلقي تاريخي داخل المجتمع الشعبي ولذلك فإنَّ صفة الشعبية ألصق بها؛ لكونها تستوعب كل هذه العناصر. وأن أهمية العجائبي في الحكاية الخرافية تكمن في قدرته على الكشف عن فعاليات اجتماعية أسرية تسهمُ في فهم الإنسان ودوافعه الموغلة في السرية، فهي مغلفَّة بمضامين عميقة عمق العالم الداخلي للإنسان. أمَّا عن الفروق الواضحة بين الحكاية الخرافية والشعبية، فتوضح مطري أنه من حيث الشخصيات نجد أنه في الحكاية الخرافية حيوانات، وفي الحكاية الشعبية غالبًا ما تكون شخصيات إنسانية، وتهتم الحكاية الخرافية بالشخصية لتبرز مكانتها وتحركاتها في خيالات وهمية للتسلية؛ ذلك أنَّ الخرافة ضرب من الفانتازيا تنحو إلى تغليب الجانب العجائبي واللاواقعي لتلبسه ثوبًا واقعيًّا، لذا لا تكون للخرافة من وظيفة غير الوظيفة التفسيرية شأنها شأن الأسطورة التي تتميّز عن ذلك بلغتها الخاصة التي تجعلها تلبس شخوصها لبوس القداسة والشرف، وتعبر عن ثقافة مجموعة ما كما نجدها في الإلياذة والأوديسة لهوميروس، بينما الحكاية الشعبية تهتمُّ بالحدث الذي يمثل البيئة الشعبية ككتلة واحدة. و يدرج "معجم السرديات" الحكايات الخرافية، وحكايات الحيوان، ضمن الحكايات الشعبية، ويفرِّق في تعريفه للحكاية بين الحيوان والخرافة، ويصنِّف عمر الساريسي، الحكايات الشعبية أيضًا إلى تصنيفات مختلفة ويدرج ضمنها حكايات الحيوان والحكاية الخرافية، وتوافقه غراء حسين مهنا، في هذا التقسيم فتدرج الحكاية الخرافية، وحكاية الحيوان، ضمن الحكاية الشعبية، وتجعلها من أقسامها. أمَّا الحكاية العجيبة، فهي نوعٌ سرديٌّ شعبيٌّ لا يكتمل إلا بتوفر مجموعة من الشروط التكوينية الأساسية، فهي تنبني في جوهرها على ما هو عجيب ومدهش (بطولات خارقة، شخصيات غير مرئية أو مسحورة، أحداث فوق طبيعية، فضاءات غريبة مؤسطرة، أزمنة غير منطقية..). مع هيمنة الظواهر الخارقة من سحر وأفعال خارجة عن المنطق والمعقولية، منفلتة من إسار المكان وسلطان الزمن، مع ابتعاد المغزى الوعظي والأخلاقي المباشر عن مقصديتها، وهي تقدم عوالمها العجائبية كما لو كانت أمرًا طبيعيًّا وهي تتهيكل عبر بناء واحد مكرور غالبا، وإن اختلفت بعض التشكلات من نص إلى آخر، فإضافة إلى البناء الثلاثي (مقدمة، عقدة، خاتمة)، وتقنية التكرار الملحة، فمن الثابت أنها تتكون دائما من وحدات وظيفية بنائية، اجترح (فلاديمير بروب) طريقة إحصائها وتحديد مقولاتها بكثير من الدقة والتفصيل والعمق والابتكار، مراوحا بين تحليل وحدة خروج البطل بسبب إساءة أو نقص، وظفره بالفتاة المبحوث عنها، وزواجه بها، أو وصوله إلى ما افتقده هو أو أحد من أقربائه، فيحصل عليه بمساعدة قوة خيرة خارقة، ولمّا كانت الحكاية العجيبة ذات بعد تنفيسي، فهي تختتم غالبا بالنهاية السعيدة للأخيار والقاسية للأشرار، وتبرز بشكلٍ جلي في رواية محسن يونس "حكاية عن الألفة"، ورواية عبده خال"الطين". وقد وظفت الواقعية السحرية العربية الحكايات الرمزية التي أدرجتها الباحثة ضمن الحكايات الخرافية ك"كليلة ودمنة" و"حي بن يقظان" و"رسالة تداعي الحيوان على الإنسان" لإخوان الصفا"، والحكايات الخرافية التي تشيع في بيئات العامَّة، وتتعالق مع مخاوفهم وآمالهم كقصة "الغول والعفريت والحية..." .وتدَّعي الحكاية البطولية "الحقيقة، وتروى أحداثها نثرًا أو شعرًا بأسلوب قصصي يصعب عزوه إلى مؤلِّف معين، وهي تشتمل على بعض الحقائق التاريخية وبعض الخوارق التي لم يألفها الناس، وهي تمتلك مقدرة على الانفتاح على فضاءات متنوعة تحقق لها مقدرة في اختراق الواقع، ومع هذا فأحداث الحكاية البطولية أقرب إلى الواقع، رغم المبالغة والتهويل، والبطل فيها يشكِّل صورة مثالية عن الإنسان وعن ما هو إنساني، فرغم المبالغات التي تغلف أحداثها وشخصياتها، فإنَّ أبطالها بشر عاديون، يتحرَّكون في جو إنساني، وهذا ما يجعلها تفترقُ عن الخرافة، فالبطل الذي يمتلك القوة والشجاعة البطولية يتغلَّب على الحيوانات المتوحشة كالغول والذئاب، وهذا بحدِّ ذاته عمل بطوليٌّ؛ ذلك أنَّ البطل "يعدُّ صورة مثالية لما هو إنساني. وتوصّلت مطري إلى أن الحكاية البطولية تلتقي مع الأسطورة في إنتاجها عوالم فوق واقعية، وهي ما تنتجه المخيلة الشعبية التي تنزع عادة إلى إضفاء صفات أسطورية على بعض أبطال المجتمع، وتمنحهم قوى مفارقة لقوانين الواقع، وتحركهم في أزمنة وأمكنة لا تنصاع لإرادة تلك القوانين، ومن النماذج الروائية موضع الدراسة تقتربُ رواية "فخاخ الرائحة" من هذا النوع من الحكايات فالبطل "طراد" يواجه الذئاب في الصحراء، وليس بإمكانها أن تتواجد في المكان الذي يوجد فيه. والقصص الشعبي بأنواعه يعدُّ رافدًا مهمًا وأساسيًّا في الواقعية السحرية العربية، فقد اشتملتْ أغلب المدونات الروائية المدروسة على حكايات خرافية، وشعبية، وعجيبة، كرواية: "الطين، ساق الغراب، القلق السري، فخاخ الرائحة، محاكمة كلب، مهر الصيَّاح، كيد النساء، عين جورية، فخاخ الرائحة" . وقد تمنّيت أن قامت الباحثة بتناول روايات عربية مهمّة تتعلّق بموضوع بحثها الذي اهتم بهذا الجانب، كما تمنّيت أن تتناول روايات محليّة مهمّة وعلى رأسها رواية محمد المزيني "الطقاقة بخيتة" ورواية عواض شاهر العصيمي "قنص" . محمد العرفج