مارينا وارنر، روائيةٌ وناقدةٌ ومؤرخةٌ ثقافية بريطانية، عملتْ أستاذًا في قسم دراساتِ الأدب والسينما والمسرح في جامعة ساسكس حتى العام (2014)، لها إنتاجٌ روائيٌّ وثقافيٌّ غزيرٌ ومميز؛ يتنوع بين الأعمال الروائية والكتب، بما في ذلك الدراساتُ النقدية وكتب الأطفال، والقصص القصيرة. ويتسم الكثير من أعمالها بطابع التحليل التاريخيِّ للأساطير، والحكاياتِ الخرافية، والقصص الرمزية، والفولكلور ولاسيما المتعلقة بالرموز الأنثوية، في اللوحاتِ الفنية، والنصوص الأدبية. من الدراسات النقدية التي قدمتها "الآثار والعذراوات: رمزية النموذج الأنثوي" (1985)، والتي فازت بجائزة كتاب فاوست، وكتاب "من الوحش إلى الشقراء: في الحكايات الخرافية ورواتها" (1994). ومن الرواياتِ: "في الغابة المظلمة" (1977)، و"حفلة التزلج" (1982)، و"الأب المفقود" (1988)، ومن مؤلفاتها أيضًا مجموعة من القصص القصيرة، بعنوان "حوريات البحر في الطابق السفليِّ" (1993). ومن كتب الأطفال نشرتْ: "اليوم المستحيل" (1981) و"السنّ المتهادي" (1984). كما كتبت أوبرا للأطفال قدمتها الأوبرا الإنجليزية الوطنية. ومن أحدث كتبها "الأوهام: رؤى الروح؛ الاستعارات والإعلام في القرن الحادي والعشرين" (2006)، و"السحر الغريب: الحالات المسحورة وقصة ألف ليلة وليلة" (2011)، وآخرها كتاب "في سالِفِ الأيّام؛ تاريخٌ موجز للقصة الخرافية" (2014). يعرضُ كتابُها "في سالِفِ الأيّام"، من خلال الفصول التي تحمل العناوين: "عوالم الجن"، و"بلمسة من عصاها السحرية"، و"أصوات على الصفحة"، و"حساء البطاطس"، و"اهتمامات صبيانية"، و"على المقعد"، و"في قفص الاتهام"، و"الرؤية المزدوجة"، و"على المسرح والشاشة". كُتب عن الكتاب: "تحفر الحكاياتُ الخرافيةُ في الأعماقِ صورًا مجازية مخيفة وواضحة، وترتع القصصُ الشعبية في مواضيع الموت، والتعذيب، والخيانة، في تبايُن واضح مع أسلوب العصر الحديث في تحرّي اللباقة الأدبية، غير أنَّ حكاية واحدة من حكاياتِ "الإخوان غريم" سارتْ إلى أبعد من ذلك. في حكاية "لعبة الجزارين" ذبح رجلٌ أضحيةً بينما أطفاله ينظرونَ، وفيما بعد، قال أحد الأطفال لأخيه الواقف إلى جواره: "بعد قليل ستكونُ أنت الأضحية، وسأكون أنا الجزار!". إمكانية محاكاة قصصٍ مثل هذه روَّعت الألمانَ في القرن التاسع عشر، وكان "فيلهلم غريم" يرى أنَّ القصة قدمتْ درسًا بالغ الأهمية حول الفعل والاعتقاد من جهة، وواقع الحياة من جهة أخرى. ولكن لا يهم، فالقصة اقتُطعتْ من مُخْتارات أخرى. لقد برهنتْ مارينا وارنر في كتابها "في سالِفِ الأيّام" أنَّ بعضَ التجارب الإنسانية قد تكون أكثرَ عمقًا وأثرًا من الحكاياتِ الخرافية؛ ففي الغاباتِ الساحرة والعوالم الخيالية الأخرى، تعيش الشخصياتُ البسيطة حياةً في غاية الفظاعة، تصل لجوهر مخاوف الإنسان ورغباته. في الحقيقة حبكة الحكاية الخرافية وشخصياتها تبرز الاستعاراتِ التي يمكن أنْ نجدها في كل حكاية نرويها. تستعرض وارنر في هذا العمل العلميِّ، الحكاياتِ الخرافية التي حُكيت عبر القرون الماضية، والدراساتِ الأكاديمية التي أجريتْ عنها، وربطتْ هذه الحكاياتِ بكلِّ جانب من جوانب الثقافة؛ مثل: الأساطير، والفن، والموسيقى، والأفلام، والألعاب، وعلم النفس، وانتهت إلى القول: "نحن في حاجة إلى هذه الحكاياتِ، لكي نفهم العالم!". وكما تشير المؤلفة، فإنَّ هذه الحكاياتِ قد تبدو في مرحلة معينة حكاياتٍ صبيانية وغير جادة، كما إنها بعيدة كل البعد عن قوانين الطبيعة والمنطق الأساسية؛ فهناك الجنّيات، والوحوش الخفية، من كافة الأجناس، الذين يستخدمون قواهم السحرية للإغواء، والخداع، والتشكل، والتهكم، والتعذيب، والتشويه، وربما القتل. وتحركهم جميعًا غرائزُ الغيرة والانتقام، حتى أولئك الفتيات الساذجات اللاتي يجلبْنَ سلال الكعك إلى الجدّات المُسنّات، والأشجار المسحورة، والجداول، والجماد الذي تنبض فيها الحياة فجأة! تملأ أعمال الشر الكثيرَ من هذه الحكاياتِ، حتى إنَّ الشخصياتِ نفسها ليست كاملة ولكنها أداة لهذا الخيال العاصف. يقول فيليب بولمان، كاتب الروايات الخيالية البريطانيّ: "لا يوجد علم نفس الحكاية الخرافية، وليس للشخصيات حياة خاصة، بل يمكن أنْ نقول إنَّ الشخصيات في الحكاية خرافية غير واعية". ومع هذه الشخصيات التي تفتقر إلى العمق، فإنَّ القراء يتوقعون حياة ومخاوفَ وأوهامًا خاصة بهم، بطريقة بعيدة كلَّ البعد عن الواقع. إذا كانت تلك الحكاياتُ تبدو صبيانية، فإنها في الغالب تحمل مضامين جادة للكبار. كتبت وارنر: "كلما زاد خيال القصة، زادت فرصتها لتناول المواضيع الجادة، ومواجهة القوى النافذة، وهذه الحكايات تقدم طريقة مموهة وقائية لقول الحقيقة". تصوِّر الحكاياتُ الكلاسيكية مثل: "ذات الرداء الأحمر"، و"ذو اللحية الزرقاء"، و"سندريلا"، و"هانسيل وغريتل"، و"سنو وايت والأقزام السبعة" الكائناتِ الشريرة في العوالم السحرية المعزولة. ويكونُ الضحايا الأبرياء سببًا في هلاكهم، حين يأتي شخص ما منقذًا. ولكن حتى اذا استقرت الحياة مرة أخرى بسلام، فإنَّ الوحشية لا تتركها؛ فالحكاياتُ الخرافية تقبل بالحياة المأساوية والرهيبة. درست وارنر القصة الفرنسية "ذو اللحية الزرقاء"، وهي عن رجل أرستقراطيٍّ ثريٍّ منبوذ من المجتمع، يعيش مع زوجته في قصره بعيدًا عن الناس، في يوم من الأيام يخبر زوجته الشابة أنه ذاهب في سفر، ويعطيها مفاتيح أبواب القصر ذي الغرف التي تحتوي كنوزًا، ثم يحذرها من فتح باب بعينه. وبطبيعة الحال، لم تستطع الزوجة أنْ تقاوم الرغبة في كشف المجهول، وعندما تفتح الباب تكتشف كمية كبيرة من آثار دماء زوجات السابقات، اللاتي قتلهنَّ، وعلقهنَّ على خطاطيف، وفي النهاية ينقذها أشقاؤها منه بقتله. قد تبدو الحكايات الخرافية مناطق متنازع عليها، أماكن نقاتل بها حتى نصل إلى نتيجة الحقيقة. في السنوات الأخيرة تساءل كُتاب اللباقة الاجتماعية عن العنف، ولكن كما لاحظ فرويد أو يونغ، نحن بحاجة أنْ نعتبر بقوى الشر إذا كنا بصدد بناء مجتمع إنسانيٍّ. تتحدث الحكاياتُ الخرافية أيضًا عن المتاعب اليومية، وكذلك الوحوش الشرسة، فعلى سبيل المثال في "قصة الشاب الذي خرج ليعرف ما هو الخوف" هذا الشاب يمر سالمًا ودون خوف في سلسلة من الاختباراتِ والمصاعب المخيفة، بين الأشباح، والرجال المعلقين بحبال المشنقة، والقلعة المسكونة، وبين الجماجم والعظام، ولكن عندما أراقت الأميرة دلوًا من السمك الصغير على السرير، أصيب بالذعر؛ وهكذا فإنَّ الدروس التي نخرج بها من الحكاياتِ الخرافية قد تكون في بعض الأحيان بسيطة، ولكنها تمسنا بعمق". غلاف الكتاب مارينا وارنر