يبدو أن التدني في قدرة المجتمعات العربيّة على التقاط خيوط الثورة التي أحدثتها التقنيّات الرقميّة في التعليم، هو أشد سوءاً وتراجعاً مما يُعتَقَد، ما يعني أنّ سنين طويلة ربما تمر قبل أن يواكب التعليم العربي مجريات التطوّر عالميّاً. وتصلح علاقة العرب مع «أكاديميّة خان» نموذجاً عن حال التلكؤ عن مواكبة إيقاع ثورة المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، في مجال التعليم المعاصر. إذ تعتبر «خان» نموذجاً للتعليم الرقمي المستند إلى المحتوى المرئي- المسموع على شبكة الإنترنت (أنظر «الحياة» 23 نيسان - أبريل 2017). وتذكيراً، تمثّل تلك الأكاديميّة مؤسّسة تعليميّة شبكيّة أطلقها الأميركي- الهندي سلمان خان عام 2006. وفي زمن قصير تماماً، استطاعت «خان» الانخراط في مفهوم التعليم الافتراضي التفاعلي البعيد من الطرق التقليديّة. وتخلّصت أيضاً من مركزية التلقين التعليمي في الصف الدراسي، لمصلحة تعليم تفاعلي يستند إلى الطالب ذاته وقدرته في التعلّم ذاتيّاً. وفي زمن يسير، ضخّت «خان» ملايين أشرطة الفيديو عن موضوعات علميّة متنوّعة، تتضمن كلّها شروحات مبسطة وافية عنها، وتتوجّه إلى الطلاب في مراحل تعليميّة مختلفة، بل تمكّنهم من التمرّس فيها من دون مغادرة منازلهم! ولم تلتقط المجتمعات العربيّة تجربة «خان» سوى عام 2011، بعد 5 سنوات من انطلاقة تلك الأكاديميّة. وآنذاك، التفتت وسائل إعلاميّة عربيّة إلى «خان»، متحدّثة عنها في شكل يسير تماماً. وبديهي القول بغياب ما يوازي تجربة «خان» عربيّاً، على رغم الحاجة الكبيرة لها. متاهة في استخدام التقنيات سعياً إلى استكمال الصورة عن مدى اهتمام النظام التعليمي بمجريات التعليم التفاعلي- الشبكي، أجرت «الحياة» دراسة تمحيصيّة على عيّنة غير انتقائيّة شملت 100 طالب مصري في مراحل تعليميّة مختلفة. وأجابوا على استمارات استبيانيّة من طريق الهاتف أو المقابلة الشخصيّة. وثمة مفارقة تحمل دلالة مكثّفة حدثت أثناء العمل على تلك الدراسة التي استغرقت ثلاثة شهور، تمثّلت في خروج مصر من «تصنيف دعم التنافسيّة العالمي في مجال التعليم الأساسي». وعلى رغم أهميّته، لم يكن الأمر صادماً بالنسبة إلى الجهات الرسميّة المسؤولة عن التعليم. وفي تعليق أول للوزير المعني بالتربية والتعليم الدكتور طارق شوقي، قال : «أساساً، كان ترتيبنا متأخراً جداً، ثم خرجنا أخيراً. في نهاية المطاف، ربما نختلف أو نتفق مع تلك التصنيفات لكن المنتج المعرفي الذي نصنعه حاضراً لا يرضي طموحاتنا ولا أحلامنا». وفي وقت سابق، أرجع الدكتور كمال غيث وهو باحث في «المركز القومي المصري للبحوث التربويّة»، مسألة التخلف العربي في توظيف التكنولوجيا مجال التعليم إلى «خطأ في التوجيه... وليس هناك من جهل تقنيّ لدى الأجيال الشابة والناشئة، بل إنهم يظهرون قدرات مبهرة في التواصل مع أجهزة الحاسوب، على رغم اقتصار استخدامهم لها على الجوانب الترفيهيّة». نتائج مخيّبة لذا، حاولت دراسة «الحياة» قياس مستويات التقدّم التكنولوجي استناداً إلى درجة استخدام المواقع الأكثر شهرة في ال «سوشال ميديا» ك «فايسبوك» و «تويتر» و «يوتيوب» و «آنستاغرام» وغيرها، إضافة إلى محرّكات البحث ك «غوغل». ودقّقت في طرق توظيف المعطيات التقنية من قِبَل عيّنة الدراسة. وشملت الاستبيانات أسئلة عن طُرُق التعاطي مدرسيّاً مع مادة الحاسوب وتوظيفاتها داخل الفصل الدراسي وخارجه. وسعت الاستبيانات إلى الوقوف على مدى قرب المؤسّسات التعليميّة المصرية من التعليم الرقمي التفاعلي الذي تعتبر الأجهزة الذكية مفتاحه الرئيس، إضافة إلى تلمّس مدى تفاعل الطلاب مع نماذج التعلم الرقمي. تألّفت العيّنة التي شملتها الدراسة من طلاب في التعليم الأساسي («الابتدائي) شكّلوا 36 في المئة منها، والإعدادي (41 في المئة)، والثانوي (23 في المئة). وحملت نتائج الدراسة تصديقاً للمنحى الذي أشار إليه الخبير التعليمي كمال غيث في تناوله المشكلة. إذ تبيّن أنّ 73 في المئة ممن شملتهم العيّنة، يستخدمون موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، و79 في المئة محرك البحث «غوغل»، ما يعني عدم وجود جهل تقني لدى الطلاب المصريين. وتبيّن أن طلاب المرحلة الابتدائيّة (وهم في أعمار تتراوح بين 6 و12 سنة) يمثّلون الشريحة الأعلى في عدم استخدام تلك المواقع، إذ أجابت نسبة تقارب ال70 في المئة بأنها غير مشتركة في «فايسبوك»، فيما عجز 61 في المئة منهم عن إجراء عملية بحث بدائيّة على «غوغل». هل تدعو الأرقام السابقة إلى التفاؤل؟ ربما ليس كثيراً. إذ أظهرت النتائج أيضاً عجزاً عن توظيف القدرات التقنيّة للطلاب في مناحٍ تعليميّة وتثقيفيّة. إذ برز ارتفاع في أرقام الجلوس أمام موقع «فايسبوك» يومياً (ما يتراوح بين 3 و6 ساعات) لدى ما يزيد على نصف مستخدميه (تحديداً 56 في المئة)، وهم يشكّلون أيضاً 41 في المئة من العيّنة ككل. في المقابل، لم تزد نسبة المشتركين في صفحات تعليميّة في ذلك الموقع عن 43.8 في المئة (32 طالباً). وتذكيراً، تملك معظم المواقع الشبكيّة التعليميّة ك «أكاديميّة خان» والموقعين المصريّين «التحرير أكاديمي» و «نفهم»، صفحات على مواقع ال «سوشال ميديا»، خصوصاً «فايسبوك». ولا يدخل على تلك الصفحات بصورة يوميّة سوى 7 في المئة ممن شملتهم العيّنة، وهي النسبة ذاتها للدخول على صفحة تعليميّة على «فايسبوك» مرّة في الأسبوع، فيما أجاب 13 في المئة بأنهم يدخلون إلى تلك الصفحات «عند الحاجة»!