انعقدت الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون الأمنية مجدداً مساء أمس للتداول في كيفية إيجاد «مخرج مشرّف» لإسرائيل من قضية نصب البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى المبارك، وسط تلميح قوي إلى احتمال إزالتها قريباً «بعد إيجاد بدائل مناسبة تضمن الأمن والأمان»، وهي بدائل أعلن مسؤولو الوقف الإسلامي في المدينة المقدسة رفضهم لها، وأكدوا وجوب إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عملية المسجد قبل عشرة أيام. وعقدت الحكومة المصغرة اجتماعها الثاني خلال الأيام الثلاثة الأخيرة وسط انتقادات المعارضة ووسائل الإعلام لرئيسها بنيامين نتانياهو على «خضوعه للجناح المتشدد في حكومته»، و «عدم إجراء بحث جدي في كل الموضوع» منذ قرار نصب البوابات الإلكترونية، ثم قرار الحكومة المصغرة تفويض الشرطة اتخاذ القرار المناسب. كما انعقدت في ظل اتساع الجدل في شأن تجاذب المواقف داخل أذرع الأمن المختلفة، وعدم استبعاد قادة عسكريين انتفاضة على خلفية دينية. ورفض نتانياهو الانتقادات، وحاول نقل الكرة إلى الملعب الفلسطيني على خلفية العملية التي نفذها الشاب الفلسطيني عمر العبد من قرية كوبر قضاء رام الله مساء الجمعة في مستوطنة «حلميش» المجاورة وقتل فيها ثلاثة مستوطنين. وقال في اجتماع وزراء حزبه «ليكود» أمس: «منذ بدء الأحداث، أجريت سلسلة لقاءات وتقويم أوضاع مع جميع الجهات الأمنية، بما فيها القيادات الميدانية، وتباعاً نتلقى التقارير والتقويمات المستجدة وتوصيات بالعمل ونقوم بما يلزم ببرود أعصاب لكن بعزم ومسؤولية، وهكذا نواصل من أجل الحفاظ على الأمن». وأضاف: «على رغم كل الإشاعات، وكأننا أجرينا مداولات سريعة خاطفة في شأن البوابات الإلكترونية، إلا أن المداولات تحلت بالمسؤولية وكانت منتظمة». وكرر الكلام نفسه في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته، وقال إنه سيتم هدم بيت منفذ العملية بأسرع ما يمكن، مضيفاً أن إسرائيل تتحرك ضد جهات التحريض. واحتدم النقاش بين أذرع الأمن المختلفة في جدوى نصب البوابات، وسط تأكيدات بأن قيادة الجيش وجهاز المخابرات العامة (شاباك) عارضاها، وهو ما نفاه وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان قطعاً. وأضاف أنه يدرك أنه ستتم إزالة البوابات في مرحلة ما، «لكن طالما ترى الشرطة أنها الوسيلة الوحيدة في حوزتها لمنع هجوم مسلح آخر فإنها ستبقى». وأضاف أن المشكلة ليست في البوابات إنما الحديث هنا عن سيادة، ورفضهم قبول سيادتنا في المنطقة عموماً وفي الجبل (المسجد) تحديداً، ولا يعقل أن تأخذ الشرطة موافقة من الفلسطينيين على كل وسيلة حراسة تختارها». وغرّد وزير الإسكان يوآف غالنت خارج سرب الحكومة الأمنية، وقال للقناة الثانية الليلة الماضية إن وضع البوابات الالكترونية في مداخل المسجد الأقصى كان «خطأ فنياً واستراتيجياً: فنياً لأنه من غير الممكن إدخال عشرات الآلاف عبر البوابات، واستراتيجياً لأن من اتخذ القرار لم يفهم حساسية الموضوع بالنسبة الى المسلمين، إنهم يرون الأمور بشكل مغاير عما نراه». وقال رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غادي أيزنكوت أمام مجندين جدد إن أحداث الأسبوع الأخير تؤشر إلى التهديدات التي نواجهها، ونحن كجيش مع سائر أذرع الأمن، ننجح في توفير الأمن وشعور الأمان لمواطني إسرائيل، وسنواصل تمكين الدولة من الازدهار على رغم التهديدات الصعبة». وأضاف: «علينا الاستعداد دائماً لاحتمال حرب»، مشيراً إلى أن الأوضاع قابلة للانفجار في الضفة الغربية وعلى الحدود مع قطاع غزة. وأضاف أنه في حال وقعت حرب «فإن مهمتنا تكون بتحقيق انتصار كاسح وضمان نتائج واضحة بهدف إبعاد الحرب الأخرى لسنوات كثيرة». وتابع في حديثه للصحافيين: «سمات موجة الإرهاب الأخيرة لا تشبه سمات انتفاضة الأفراد (في إشارة إلى عمليات الدهس والطعن في القدس قبل عامين)، إنما هناك حوافز أخرى، هناك تأثيرات أخرى نابعة عن التأثير الديني». وأكدت تقارير صحافية أن أيزنكوت أعطى تعليماته للجيش بالتأهب لمواجهة احتمال تصعيد لأسابيع في الضفة. وأضافت أن السيناريوات تتحدث عن عمليات إطلاق نار ودهس وربما عملية تفجير من القطاع، وعليه تقرر تكثيف نشاط جيش الاحتلال في أنحاء الضفة وتعزيزه بآلاف العناصر. وعقب وزير الدفاع افيغدور ليبرمان على قرار الرئيس محمود عباس وقف التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية باستخفاف بقوله: «هذا قرارهم وشأنهم، التنسيق الأمني ليس ضرورة ملحة لإسرائيل فهو حيوي ومهم للسلطة الفلسطينية ذاتها، فإذا كان قرارهم وقف التنسيق الأمني، فلن نستجديهم ولن نتخذ أي خطوات، وسنتدبر أمورنا من دون التنسيق الأمني». وهاجم ليبرمان الرئيس الفلسطيني على رفضه التنديد بعملية «حلميش»، وأيد دعوات صادرة عن عدد من زملائه إلى النيابة العسكرية بالمطالبة بتنفيذ حكم الإعدام بحق منفذ عملية حلميش. وعلى رغم أن القانون الإسرائيلي لا يجيز الإعدام إلا مع قادة نازيين، فإن الوزير نفتالي بينيت قال إنه يحق للمحاكم العسكرية، خلافاً للمدنية، إصدار حكم كهذا. تحريض على رائد صلاح إلى ذلك، اتهم ليبرمان رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح «بالتحريض وبث أكاذيب تتعلق بالوضع في المسجد الأقصى». وقال إنه يعمل على اعتقاله إدارياً (أي من دون محاكمة، وهو إجراء يحق لوزير الأمن اتخاذه لمدة ستة أشهر يتم تمديدها إذا أراد). وقال لموقع «واينت» إنه سيعمل أيضاً على حظر حزب «التجمع الوطني» قانونياً. كما اختار الوزير زئيف ألكين (ليكود) تحميل السلطة مسؤولية العملية بداعي تحريضها، إضافة إلى «مجموعة صغيرة من عرب إسرائيل وأعضاء القائمة المشتركة». في غضون ذلك، اتهم معلقون نتانياهو ب «الخوف» من وزيري «البيت الحكومي» وثلاثة وزراء من «ليكود» في الحكومة المصغرة وأنه انجر وراء معارضتهم إزالة البوابات. وأشار باراك دافيد في صحيفة «هآرتس» إلى أن نتانياهو لم يتعامل منذ البداية مع قضية سياسية استراتيجية بالغة التعقيد بالوسائل الصحيحة، وترك الشرطة تعالجها بوسائل أمنية، و «الآن بعد ما حصل، بات يخشى وحكومته تفسير إزالة البوابات تراجعاً وإقراراً بأن إسرائيل ليست صاحبة السيادة على الجبل، فيما إبقاء البوابات يعرض الأوضاع إلى مزيد من التدهور في القدس والضفة وأزمة مع العالم الإسلامي كله». وكتب المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت احرونوت» اليكس فيشمان أن «مجنوناً رمى حجراً في البئر، وألف حكيم يحاولون الآن تقليل الأضرار... البوابات الإلكترونية التي تحولت رمزاً لكفاح ديني وطني ستختفي تدريجاً من المسجد الأقصى. المسألة مسألة وقت... ما تفعله إسرائيل اليوم هو أنها تحاول الخروج من هذه المسألة مع أقل من يمكن من المس بكرامتها الوطنية ومن دون انتفاضة ثالثة».