أقرّت أوساط عسكرية في إسرائيل بصعوبة مواجهة هجمات مسلحة ينفذها فلسطينيون بشكل فردي لا بتعليمات من تنظيم. وعكست عناوين وسائل الإعلام العبرية شعور الإسرائيليين بافتقاد الأمن الشخصي في أعقاب «عمليات لا يمكن إحباطها تدعمها أجواء شعبية أقحمت العامل الديني في الصراع». وعقد رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو اجتماعاً أمس لحكومته الأمنية – السياسية المصغرة (كابينيت) «لبحث التطورات الأخيرة والأوضاع المتوترة مع الفلسطينيين ومع العرب في إسرائيل»، في وقت عزز جيش الاحتلال قواته في الضفة الغربية بثلاث وحدات عسكرية تضم كل منها عدة سرايا، فيما رفعت الشرطة حال التأهب في أنحاء إسرائيل إلى الدرجة (ج) قبل القصوى. وقال وزير الدفاع موشيه يعالون أمس إن «إسرائيل في أوج تصعيد أمني. لكننا لن نسمح بتطوره. وعليه قمنا بتعزيز قوات الجيش في اليومين الأخيرين بهدف توفير رد آمن على عمليات الدهس أو الطعن بالسكاكين، وبالتأكيد لمواجهة إرهاب منظم». وأضاف أن الجيش شرع في عملية اعتقالات واسعة «وسينتهج القبضة المتشددة بما في ذلك هدم بيوت مخربين لوقف هذه الموجة». ودعا «كل من يرغب في التهدئة» أن يقوم بذلك، «ونحن من جهتنا نقوم بمثل هذا النشاط ضد كل من نعتقد أنه يقوم بأعمال استفزازية في جبل الهيكل (المسجد الأقصى)». وأضاف أنه أجرى محادثات خاصة «مع أولئك من طرفنا الذين يريدون زيارة جبل الهيكل وحاولت إقناعهم بالامتناع عن ذلك في هذا الوقت، لكننا لن نمنع زيارة يهود لجبل الهيكل». وعبر عن أمله بأن «يسفر هذا النشاط عن التهدئة بأسرع ما يمكن»، لكنه أضاف أن الجيش يأخذ في حساباته أيضاً احتمال التصعيد، «لأننا خبرنا بأن نجاح عملية ضدنا يجر وراءه عمليات أخرى». وكرر اتهامه للرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن التصعيد الحاصل «نجم عن خطاباته. وكلي أمل أن يتعلم الطرف الثاني من ذلك». وكان نتانياهو ترأس مساء أول من أمس جلسة مشاورات مع كبار وزرائه وقادة الأجهزة الأمنية لبحث التصعيد الحاصل في موجة الهجمات المسلحة والتوتر في البلدات العربية. وقبل ذلك، وخلال اجتماعه بأعضاء حزبه «ليكود»، أطلق تصريحات نارية قال فيها إن «المخربين والمحرضين لن ينجحوا في طردنا من أي موقع نحن فيه. وسنواصل محاربة الإرهاب وسنهزمه». ودعا «المتظاهرين الذين ينددون بإسرائيل أو يدعمون الدولة الفلسطينية أن ينتقلوا للسكن في أراضي السلطة الفلسطينية أو إلى غزة. وأعدكم بأن إسرائيل لن تراكم صعوبات في طريقكم إلى هناك». ونقلت الإذاعة العامة عن أوساط أمنية وصفها التطورات الأخيرة ومقتل ستة إسرائيليين في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ب»التصعيد الخطير»، وأقرت بأن ظاهرة «المنفّذين الأفراد» تضع المؤسسة الأمنية أمام تحديات كبيرة وجديدة» ورأت أن هذه العمليات تحظى بدعم شعبي وتعبئة دينية. وعززت الشرطة إجراءاتها الاحترازية ووضعت مزيداً من حواجز الإسمنت أمام محطات الحافلات وفي الشوارع السريعة حيث ينتظر الجنود سيارات تأخذهم إلى قواعدهم أو منازلهم. وانتقد قادة المستوطنات رئيس الحكومة وسلوك المؤسسة الأمنية على «عدم قراءة الخريطة بالشكل الصحيح»، بداعي أن التصعيد حاصل في الضفة الغربية منذ أشهر لكن الجيش يغض النظر عنها. وأفادت الإذاعة العامة أن عشرات حوادث رشق الجنود والمستوطنين بالحجارة تقع يومياً في أنحاء مختلفة في الضفة الغربية. وتحت عنوان «عمليات لا يمكن وقفها» كتب المعلق في «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشواع أن الحكومة تجد نفسها «أمام منحدر زلق من خسارة ثقة الجمهور بها لجهة أمنهم الشخصي». وأضاف أن العمليات الأخيرة «ليست انتفاضة منظمة ذات بنى تحتية للإرهاب في الضفة الغربية أو تتم بتعليمات مباشرة من تنظيم معين، إنما معقدة جداً تراكم أمام الجيش صعوبات لإحباطها». وأضاف أن الاستخبارات تواجه صعوبة في رصد فرد يقرر بنفسه تنفيذ هجوم مسلح، «ولا يوجد في الواقع حل حقيقي لهذا النوع الجديد – القديم من عمليات ينفذها أفراد، باستثناء التهدئة لدى الجانبين». وزاد أن «أجواء تحريضية في وسائل الإعلام الفلسطينية تدعم إشعال انتفاضة جديدة من نوع آخر، انتفاضة الدهس والطعن». وكتب زميله أليكس فيشمان أن ثمة شعوراً لدى الإسرائيليين بأن الحكومة والمؤسسة الأمنية فقدتا السيطرة على الأوضاع، ورأى أن «ثلاثة محركات تقود قطار العنف، الأول عدم رهبة الفلسطينيين في الضفة الغربية وهنا من السلطة الإسرائيلية، والثاني التحريض المنفلت للقادة الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، والثالث وهو الأهم تأييد الشباب لداعش وشعور العرب في إسرائيل بالتمييز والغبن ما يغذي العداء المتعاظم تجاه الدولة». واستذكر المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل موجة عمليات مماثلة وقعت قبل عام لكنه أشار إلى أنها لم تكن تحظى بتأييد شعبي مثلما هو الحال اليوم، وعزا ذلك إلى تعزز المركّب الديني في الصراع وظهور «داعش» التي تلقى تأييداً لدى جمهور الشباب. وأضاف أن التحريض حول موضوع المسجد الأقصى «يغذي النار». وربط تصريحات نتانياهو العنترية في الأيام الثلاثة الأخيرة باقتراب الانتخابات، مشيراً إلى أن نتانياهو يطلق تصريحات أكثر تشدداً من زعيم «إسرائيل بيتنا» وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان لإدراكه أن المنافسة في انتخابات مقبلة ستكون حول من يقود معسكر اليمين المتطرف في إسرائيل. وعزا المحلل السياسي باراك دافيد التصعيد في لهجة نتانياهو إلى «خسارته الذخر الأهم الذي تباهي به خلال السنوات الخمس الماضية بأن الاستقرار الأمني يعم إسرائيل بفضل سياسته»، فضلاً عن منافسته ليبرمان وزعيم «البييت اليهودي» نفتالي بينيت على زعامة معسكر اليمين المتشدد.