قبل أشهر، كانت فكرته إضاءة عبوات الماء وتعليقها في مدينته الأثيرة أبها مثاراً للجدل والسخرية، ما دفع إمارة عسير لإلغاء الفكرة وإزالتها من الممشى. حينها دافع صاحب الفكرة ومنفذها الفنان التشكيلي محمد اليوسي عنها وأوضح أن الهدف هو الارتقاء بسلوك المجتمع وتشجيعه على إعادة تدوير النفايات واستخدامها في أعمال مفيدة. الفنان الشاب لم يستسلم لحملة التشويه والسخرية التي طاولته نتيجة فكرته السابقة، وأدت إلى وأدها في حينها، مشيراً إلى أنه والمجموعة التي يعمل من ضمنها ماضيان في تطبيق المزيد من الأعمال المشابهة، واثقاً بأن أعمالهم في النهاية ستُحقق أهدافها بالانتشار، والمساهمة في تغيير سلوك المجتمع، من سلوك هادم للبيئة والمرافق العامة إلى سلوكيات بناءة. وأكد الشاب المتحمس أن المجموعة كانت حريصة على أن تكون البداية من منطقة عسير، على أمل الانتقال إلى بقية مدن المملكة. لم يتوقف اليوسي عند حدود الكلام، بل شرع ومجموعته «ملهمتي»، التي تضم شباباً سعوديين متطوعين في ممارسة الفنون وتقديمها للجمهور، في تنفيذ مشروعهم المبتكر، الذي أصبح قبلة المصطافين في مدينة أبها، والتي غالباً ما تفوز بالسبق الفني في كل صيف إلى جانب عشاق مناخها وطقسها البارد والمطير. «الحياة» التقت اليوسي الذي يطرب هذه الأيام للصدى الذي حققه المشروع الجديد. إنه لا يجد الوقت لنفسه حتى وهو غارق بالمهمات والواجبات الفنية التي يتطلبها مشروعه اللافت، متجاوزاً العثرات الأولى. المشروع في فكرته العامة بيئي واجتماعي بامتياز. إنه مهرجان مفتوح لمفهوم إعادة التدوير واستثمار المستعمل وصون البيئة من العبث واللامبالاة، يكسوه طابع فني وإبداعي ملهم. يسرق الأضواء بهدوء، وينافس باقتدار تلك المشاريع الفنية التي تحيط به في مدينة صغيرة مثل أبها، ولكنها تضج بالفن والحياة. فإذا نويت زيارة منطقة عسير الشاهقة، ومدينة أبها على وجه الخصوص، يجب أن يتضمن جدول زياراتك وسياحتك، حديقة «ملهمتي» التي حوّلها فريق فني من الشبان والفتيات، يصل عددهم إلى 50 فناناً ومعاوناً، قطعة من الجمال. عمل الفريق التطوعي لمدة شهرين على تحويل المستهلكات اليومية أعمالاً فنية لافتة، تثير إعجاب زائري الأماكن السياحية، وعلى امتداد واسع من إحدى الحدائق العامة التي خصصتها أمانة عسير تصل مساحتها إلى نحو 7 آلاف متر في مقابل سد أبها على الحزام الدائري بالقرب من الممشى، أنجز الفنانون والفنانات المشاركون نحو 100 عمل من الغرافيكس والصوتيات ومختلف أشكال الفنون التي اعتمدت في شكل كامل على تدوير المستهلكات اليومية وتحويلها إلى أعمال تلفت الأنظار. تم استعمال عدد كبير من المواد والخامات المستهلكة كالأخشاب والأوراق والبلاستيك المرن والمقوى والمعادن وغيرها، لإنتاج أعمال ثابتة وأخرى متحركة وصلت حتى الآن إلى 100 عمل. حديقة «ملهمتي» ستتحول خلال إجازة الصيف الحالية ورشة لطرح الأعمال في شكل دائم، لتصبح منصة دائمة لكل المبدعين والموهوبين في المنطقة، الذين استفادوا من المكونات الطبيعية لعسير، إضافة إلى الاستفادة من التراث الثري للمكان. وبيّن الفنان الشاب أن الموقع يهتم بتقديم أعمال الغرافيكس والصوتيات وكل أشكال الفنون، مبيناً أن العمل خلال الفترة الحالية يتركز في الممشى، وسيتم التوسع ليشمل كل أرجاء الحديقة، مشدداً على وجود جيل من المبدعين والمبدعات الذين سيقدمون رسائلهم الفنية في الموقع الذي سيمثل حالة فكرية جديدة ومبتكرة.